اقتصاد

“جشع” الشركات النفطية يعمق جراح العراق المائية والبيئية

حمّلت صحيفة “الغارديان” البريطانية، يوم السبت، شركات النفط الغربية العاملة في العراق، وخصوصا في الجنوب، جانب من مسؤولية تفاقم شح المياه وزيادة التلوث، بسبب سعيها السريع من اجل تحقيق ارباح اضافية مع ارتفاع اسعار النفط عالميا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

وأشار التقرير البريطاني ، نقلا عن خبراء دوليين قولهم إن شح المياه تسبب بالفعل بنزوح الاف الاشخاص وبزيادة عدم الاستقرار حيث أن العراق يعتبر خامس أكبر دولة معرضة لازمة المناخ.

الأهوار تتحول لقنوات موحلة

واشار التقرير الى ان مناطق الاهوار في الجنوب الغني بالنفط، أصبحت اراضيها التي تطعم مجتمعات بأكملها، مجرد قنوات موحلة.

وتناول التقرير تجربة مهدي مطير (57 سنة) الذي عمل في الصيد طوال حياته، وكان هو وزوجته لسنوات عديدة يستيقظان مع الغسق، ويبحران في قنوات المياه في منطقة الخورة، الواقعة على بعد بضعة كيلومترات شمال البصرة، مبينا انه برغم ان الحصاد كان محدودا إلا أنه كان يكفي لتأمين الطعام لاسرة مكونة من سبعة أفراد.

إلا ان هذا تغير منذ العام الماضي، واصبح قاربه عالقا في الوحول، حتى في ذروة موسم الأمطار.

ونقل التقرير عن مطير قوله وهو يشير الى الدخان الاسود المتصاعد من حقل الزبير النفطي بعيدا، ان السبب هو “محطة المياه التي بنتها الشركة الايطالية.. فهم بحاجة للمياه من أجل حقولهم النفطية”.

وأوضح التقرير ان الشركات لكي تسهل عملية استخراج النفط، فإنها تضخ كميات كبيرة من المياه في الحقل في باطن الأرض، وأنه مقابل كل برميل من النفط، الذي يتم تصدير الكثير منه الى أوروبا لاحقا، يتم ضخ ما يصل الى ثلاثة براميل من المياه في الأرض، مضيفا أنه في ظل ارتفاع الصادرات النفطية للعراق، فإن مياهه انخفضت بشكل كبير.

الماء مقابل النفط

وتابع التقرير ان الشركة الايطالية التي كان مطير يشير إليها هي “ايني” المتعددة الجنسيات العاملة في العراق منذ العام 2009.

وكشف التقرير كيف ان صور الاقمار الاصطناعية، تظهر بناء سد صغير في العام الماضي من جانب شركة “ايني” بهدف تحويل المياه من قناة البصرة الى قنواتها المرتبطة بمحطة معالجة المياه، ما اوقف الفيضانات الموسمية التي كانت تغذي المنطقة التي اعتاد مطير ان يصطاد السمك فيها.

واشار التقرير الى ان معملاً آخر لمعالجة المياه تستخدمه شركات نفطية بينها “بي بي” و”ايكسون موبيل”، ويمثل استهلاكه 25% من حجم استهلاك المياه في منطقة يسكنها خمسة ملايين شخص.

وتشارك في المشروع شركة “بريتيش بتروليوم” وشركة “بتروتشاينا” و”شركة نفط الجنوب”.

ونقل التقرير عن بيان لشركة “ايني” قولها إن الشركة لم تستخدم المياه العذبة لأن المياه من القنوات مالحة وملوثة وبالتالي فهي لا تتنافس مع الاستخدامات الاخرى.

الا ان صحيفة “الغارديان” قالت انها شاهدت على الأرض ومن خلال صور الأقمار الصناعية، كيف أن المياه من القنوات التي تغذي معمل كرمة علي ومحطة “ايني” قيد الإنشاء في الخورة، تندمج على بعد بضعة كيلومترات جنوب المحطتين في محطة معالجة مياه عامة تؤمن 35% من المياه التي تستخدمها العائلات في البصرة.

المياه الجوفية بالمرصاد

وبالاضافة الى ذلك، ذكر التقرير انه قد تم توثيق ازمة المياه الوشيكة في العراق بشكل جيد، حيث ان ادارة معلومات الطاقة الامريكية “اي اي ايه” أشارت في العام 2012 إلى أن احتياجات العراق من المياه من أجل استخراج من النفط، ستزيد عشرة أضعاف.

وأشارت إلى أنه من دون وجود بدائل، فإن المياه المطلوبة يجب استخراجها من طبقات المياه الجوفية، وهو ما يشكل ضغوطا مباشرة على الاحتياجات المائية المتعلقة بالزراعة والاستهلاك.

وبعدما لفت التقرير الى اضطرابات واعمال عنف سبق أن وقعت في منطقة البصرة وتسببت في سقوط العديد من القتلى والجرحى، نقل عن رئيس شركة “قمر للطاقة” للاستشارات روبرت ميلز، قوله إن “حجم الحقن المائي المطلوب ليس ضخما، إلا أنه في المناطق التي تعاني من الاجهاد المائي، يمكن ان يتسبب ذلك في مشاكل خطيرة”.

وأضاف ميلز انه يتحتم على شركات النفط العاملة في البصرة التي تعاني أساسا من مشكلات مائية صعبة “إيجاد بدائل للمياه العذبة”.

وبحسب التقرير، فإن البدائل موجودة، مشيرا إلى ان السعودية، جارة العراق، والتي تعاني هي الأخرى من مشاكل مائية مشابهة، ولديها ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم، يتم الحصول على المياه المخصصة للحقن، من البحر.

أما في العراق، فقد اشار التقرير الى ان المناقشات حول اقامة مشروع مخصص لتحويل مياه البحر، ما تزال مستمرة منذ أكثر من عقد، ولكن لم يتم القيام بأي شيء حتى الآن.

وبحسب ميلز، فإن “وزارة النفط ليس لديها ميزانية كافية، وشركات النفط لا تريد دفع الكلفة”.

أرباح غير مسبوقة

واشار التقرير الى ان العراق ضاعف انتاجه من النفط بأكثر من الضعف خلال العقد الذي سبق العام 2019، كما زاد انتاجه منذ الغزو الروسي لاوكرانيا في العام 2022، وارتفعت صادرات النفط العراقي إلى اوروبا بنحو 40%، في حين ان شركات النفط والغاز، سجلت ارباحا غير مسبوقة في العام الماضي.

وبرغم اشارة التقرير الى الارباح الهائلة التي تحققها شركات النفط والغاز، اوضح ان العراق لم يشهد نموا مشابها، وان البنك الدولي يقول في تقرير العام 2022 ان “مؤشرات التنمية في العراق تشبه مؤشرات البلدان المحدودة الدخل”.

ونقل التقرير عن رئيس وكالة بيئية ناشطة في جنوب العراق وليد الحامد، قوله إنه “على عكس البلدان الاخرى التي تعمل فيها، فإن غالبية شركات النفط الاجنبية في العراق لا تفعل شيئا للحد من تأثيراتها البيئية”، موضحا أنه من الأقل كلفة بالنسبة إليها، هو الإبقاء على تلويث البيئة.

زر الذهاب إلى الأعلى