سياسية

رئيس الوزراء: قليلة هي المواقف التاريخية التي يتحول فيها الرجال إلى قضية

تنشر وكالة “تقدم” الاخبارية، النص الكامل لكلمة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني في ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام).

نص الكلمة إدناه:

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم

((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ))

صدقُ اللهُ العليُّ العظيم

السلامُ على الحسينِ وأهلِ بيتهِ وصحبه، والسلامُ على الأرضِ التي حلَّ بها، وخلّده التاريخُ بما قاتلَ من أجلهِ على ترابها.

السلامُ على الحسينِ ومبادئه، وعلى رسالةِ جدّهِ المصطفى النبي الأعظمِ (ص)، التي حملها بلا وجلٍ أو خوف، ومضى بها إلى نهايةِ حياته، وبدايةِ خلودهِ سيّداً للشهداء، وحيّاً يُرزقُ عندَ الله.

قليلةٌ هي المواقفُ التاريخيةُ التي يتحولُ فيها الرجالُ إلى قضية، وتتحولُ فيها القراراتُ الشجاعةُ المفصليةُ الى مُثلٍ عليا يُعظّمها الناسُ عبر الزمان.

لقد نهضَ الحسينُ في وقتٍ تدهورت فيهِ أوضاعُ الأمّة، وتعرّض فيه أصلُ الرسالةِ المحمدية الى محاولة للتشويه، وشحّ فيهِ قولُ الحق، وتعرّض الناس للإخضاعِ بالسيفِ أوبالمال، واستُبيحتِ الأموالَ العامةَ لصالحِ عُصبةٍ ظالمةٍ لا ترى مصيرها.

وشرعت القوى التي حاربتها الرسالة المحمدية في محاولة لخطفها، وإعادة فرض المفاهيم المنحرفة، مثلما سعت إلى محوِ جوهرِ أفكارِ المساواةِ وحقوقِ الناسِ ومبادئِ العدالةِ التي حملها النبي، صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهِ وآله.

في مثلِ هذه الأحوالِ والظروفِ العصيبة، صدحَ أبو عبد الله بالرفضِ والإباء، مستعيداً الثوابتَ التي قامت عليها الأمةُ الاسلامية، وميَّزَ، بقلبٍ مؤمنٍ مُعتقِد، الظُلمَ فقال قولتهُ التي مضت منهجاً وعَلَماً: هيهات منّا الذلة.

من هنا انبثقت أهميةُ الإصلاحِ الذي جاء به الحسين، إصلاحٌ يميزُ المسارَ ويشخّصه، ويُستدلُ عليه بهدى الرسالةِ السمحاء، لا بهوى النفسِ وألاعيبِ السياسة، إصلاحٌ ترك فينا، إلى يومنا هذا، نبعاً من القيمِ العليا والذخيرةِ التي تُعينُ كلَّ متصدٍ للفساد، وتُسندُ كلَّ ساعٍ لترسيخِ العدالةِ الاجتماعية، اياً كانت ساحةُ فعله.

ليس كالحسينِ حصنٌ أو دليلٌ نستدلُّ بهِ على صوابِ المنهج، أو صَلاحِ المَسلَك.

أقول؛ لم تترك شخصيةٌ عبر التاريخ، أثرها الثوري والاصلاحي في الأمّةِ الإسلاميةِ، كما فعلَ ذِكرُ الحسينِ (عليهِ السلام)، وهذهِ واحدةٌ من فضائلِ ما ورثناهُ من مُثُلٍ ومثاباتٍ أخلاقيةٍ نُقلت لنا، جيلاً بعد جيل.

وكلّما مرّ الزمان، يحضرُ الحسينُ بقوّةٍ بيننا. وكلما اشتدت الفوضى وتسيّدَ خطابُ التجهيلِ وخلطِ الحقائق، عُدنا لمواقفِ الحسين، لتمنحنا ضوءاً صافياً يحملُ هدى رسولِ الإنسانية، بلا تزييفٍ أو انحراف.

إذا كنّا نشدُّ العزمَ اليوم، لمحاربةِ الفساد، وردعِ الأيادي السوداءِ عن أن تمتدَّ إلى المالِ العام، فإنَّ الحسينَ حاضرٌ بيننا لا محالة، بهيبةِ قراره، وسموِّ نفسه، ووضوحِ مساره.

وإذا كنّا نبحثُ اليومَ عن أفضلِ وسيلةٍ لخدمةِ شعبنا، وحمايةِ حقوقه، ومحاربةِ مسبباتِ الفقر، وإصلاحِ مستقبلِ الأجيالِ الحاضرةِ والقادمة، فإنَّ الحسينَ حاضرٌ بوصفهِ ركيزةً ومنطلقاً لهذهِ المطامح، إنها ليست أحلاماً مجرّدة، طالما حضرَ الحسينُ فيها معياراً وميزاناً للقرارِ المستندِ إلى جدارِ الحقِّ والصواب.

وإن كان لنا أن نسترشدَ بمنهجٍ صالحٍ في محاربةِ الانحرافاتِ الفكريةِ والأخلاقية، فلا منهجَ أفضلَ من منهجِ الحسينِ (عليه السلام) يمكنُ أن يكونَ منطلقاً وأساساً في مواجهةِ كلِّ انحرافٍ يجنحُ بالنفوسِ والمجتمعاتِ عن طريقِ الحقِّ والفطرةِ الإنسانيةِ والهدايةِ واحترامِ الآخر.

لقد حاربنا الإرهابَ كعراقيين، وقدّمنا أثمنَ ما نملِكُ من دماءِ أبنائِنا وإخوانِنا، لنردَّ الهجمةَ الوحشيةَ عن البلاد التي تشرّفت بالحسين جسداً وفكراً، وكلُّ شهيدٍ احتضنتهُ هذه الأرض، تأسّى بالحُسين، وكلُّ جريحٍ اختلطَ دمهُ بترابِ المعركة، حضرَ الحُسينُ عندَ جُرحه، فالمبادئُ واحدةٌ ولا تتجزأ، وهي ذاتُ المبادئِ التي تدفعنا الى التمسكِ بطريقِ بناء الدولة والإصلاح، وبسطِ معاييرِ الحقِّ والإنسانيةِ والدستوريةِ والعدالةِ الاجتماعية، والعملِ على ازدهارِ بلادنا.

عظّم اللهُ أجورَ المستذكرين لشهادةِ الحسينِ وصحبه.

السلامُ على الحسين، وعلى عليِّ بنِ الحسين، وعلى أولادِ الحسين، وعلى أصحابِ الحسين.

والسلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاته.

زر الذهاب إلى الأعلى