المحكمة الاتحادية العليا ….. ولادة عسيرة
يعد الأمر رقم (30) لسنة 2005 بمثابة القانون المؤقت للمحكمة الاتحادية العليا لحين تشريع القانون الأصل المنصوص عليه في المادة (92/ثانياً) من الدستور والذي تعثر تشريعه منذ نفاذ الدستور والى الآن بسبب الخلاف في وجهات النظر حول نقطتين أساسيتين الأولى تتعلق بتكوين المحكمة والثانية بنصاب صدور قراراتها .
وبالرجوع إلى المادة (92/ثانياً) نجد انها تنص على ( أن تتكون المحكمة الاتحادية العليا من عدد من القضاة، وخبراء في الفقه الإسلامي، وفقهاء القانون، يحدد عددهم، وتنظم طريقة اختيارهم، وعمل المحكمة، بقانون يسن باغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب) وقد برز اتجاهين بخصوص تكوين المحكمة الأول يرى ان المحكمة تتكون من ثلاث فئات هم القضاة وخبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون وهؤلاء جميعا هم اعضاء اصل في المحكمة يعاملون نفس المعاملة اما الاتجاه الثاني يرى ان تشكيل المحكمة يتكون من القضاة فقط اما خبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون فإن دورهم استشاري فقط يقدمون الخبرة في مجال اختصاصهم عند طلب المحكمة ذلك كما هو الحال في المحاكم المدنية التي تستعين بالخبراء في مختلف الاختصاصات.
اما النقطة الخلافية الثانية تتعلق بنصاب صدور القرارات من المحكمة إذ ذهب البعض الى ان المحكمة شأنها شأن اي محكمة تتكون من هيئة او عدد من القضاة تصدر القرارات عنها أما بالاتفاق او بالأغلبية البسيطة (اكثر من نصف عدد اعضائها) . في حين ذهب الرأي الثاني إلى أن المحكمة تصدر قرارات فيها نوع من الخصوصية لذا يجب أن تكون على وفق أغلبية معينة كأن تكون الثلثين كما هو الحال في نص المادة (5/اولآ) من الأمر رقم (30) لسنة 2005 بخصوص المنازعات الحاصلة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الإقاليم والمحافظات والبلديات والادارات المحلية. وذهب رأي ثالث الى ان لبعض أعضاء المحكمة (حق الفيتو) وبدون موافقتهم لا يصدر القرار من المحكمة في مواضيع معينة.
هذه الخلافات في وجهات النظر وبصرف النظر عن مبررات اصحابها واتفاقنا او اختلافنا معها احبطت جميع محاولات تشريع اصل قانون المحكمة الاتحادية العليا ونعتقد ان هذا الفشل في تشريع هذا القانون سوف يستمر خصوصا مع اشتراط (حضور وموافقة) أغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب على هذا القانون بمعنى ان مجرد تحقق النصاب بحضور أغلبية ثلثي أعضاء المجلس غير كاف لتشريع القانون إنما يجب ان يقترن هذا الحضور بموافقة أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب.
وبسبب هذه الاشكاليات استمر العمل بالأمر رقم (30) لسنة 2005رغم كونه قانون مؤقت يفترض ان ينتهي العمل به بنفاذ الدستور وتكوين محكمة بديلة حسب أحكام المادة (92) منه، وزاد الأمر تعقيداً بصدور قرار المحكمة الاتحادية العدد (38 /2019) بتاريخ 21 /5 /2019 الذي ألغيت بموجبه صلاحية مجلس القضاء الأعلى في ترشيح رئيس وأعضاء المحكمة وبذلك دخل القضاء الدستوري في مرحلة (الفراغ الدستوري) الذي سبق وأن حذرنا منه في أكثر من مناسبة لكن للاسف فسر البعض هذا الموقف بشكل غير صحيح إلى أن حصل الذي حذرنا منه باحالة احد اعضاء المحكمة على التقاعد بناء على طلبه اضطرارا لسوء وضعه الصحي ومن ثم وفاته ولحقه وفاة عضو اخر فأختل نصاب انعقاد المحكمة ذلك أن المادة (5/اولا) من الأمر رقم (30) لسنة 2005 تشترط لصحة انعقاد المحكمة حضور جميع اعضائها وهم بحسب القانون (9).
ثم دخل القضاء في أزمة أخرى بمحاولة تلافي الخطأ الناجم عن صدور القرار (38 /2019) عندما عين رئيس المحكمة الاتحادية احد القضاة المتقاعدين عضواً اصليا في المحكمة بدون وجود سند دستوري او قانوني وبعد جدال قانوني ودعوى حسمها القضاء المدني بعدم قانونية هذا التعيين انتبهت رئاسة الجمهورية لذلك وقررت سحب المرسوم الجمهوري الذي عين بموجبه هذا العضو وبقي حال المحكمة على ما هو عليه من تعطيل غير مبرر ،وزاد الأمر خطورة مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة المفروض اجراءها في العاشر من شهر أكتوبر 2021، إذ ان المادة (93/سابعاً) من الدستور تنص على مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات لذا وجد مجلس النواب نفسه أمام أمر واقع بضرورة معالجة الفراغ الدستوري وفق خيارين لا ثالث لهما اما تشريع اصل القانون المنصوص عليه في المادة (92/ثانيا) من الدستور او اصدار قانون تعديل الأمر رقم (30) لسنة 2005 وإيجاد نص بديل للنص الملغى من قبل المحكمة الاتحادية وتحديد جهة ما تتولى مهمة ترشيح رئيس واعضاء المحكمة الاتحادية سيما وان مشروعي القانونين (الأصل والتعديل) تمت قرائتهما قراءة أولى وثانية وجاهزين للتصويت الاخير .
و كان هناك شبه إجماع بين القوى السياسية المكونة لمجلس النواب على تشريع القانون الأصل حسب أحكام المادة (92/ثانيا) من الدستور وتم التصويت بموافقة أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب على ثمانية عشر مادة من أصل اربعة وعشرون مادة إلى أن وصل الأمر إلى النقاط الخلافية التي تقدم ذكرها لذا عرض مجلس القضاء الأعلى مقترح على مجلس النواب كحل وسط ربما يكون الاخذ به سبيلاً للخروج من عنق الزجاجة وتضمن المقترح اعتبار خبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون أعضاء اصل الى جانب القضاة في حالتين تدخل ضمن اختصاصهم بحسب نص المادة (2) من الدستور الأولى في حال نظر المحكمة دعوى تتعلق بقانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام والثانية في حال نظر دعوى تتعلق بما يتعارض مع مبادئ الديمقراطية او الحقوق والحريات الأساسية وفيما عدا ذلك تتشكل المحكمة من القضاة فقط ورغم تعقيدات المقترح وتفاصيله وافق مجلس النواب عليه وتم تجاوز الإشكالية الأولى لكن برزت بشكل كبير الإشكالية الثانية حيث اشترط البعض ان في حال نظر المحكمة دعوى تتعلق بالمادة (2) من الدستور فان رأي خبراء الفقه الإسلامي هو المعول عليه ويصدر القرار وفقاً له وان كان خلاف رأي القضاة بمعنى ان خبراء الفقه الإسلامي إذا اعترضوا على قرار أغلبية أعضاء المحكمة من القضاة فإن القرار يصدر على وفق رأي خبراء الفقه الإسلامي الأمر الذي دفع احد الأطراف السياسية إلى وضع شرط اخر مقابل هذا الشرط وهو ان قرارات المحكمة المتعلقة بنظر قضية بخصوصية معينة يكون لعدد قليل من قضاة المحكمة حق الاعتراض اشبه (بالفيتو) ولا يصدر القرار الا بموافقة هؤلاء القضاة الاقلية في عضوية المحكمة.
هنا شعر القضاء بالخطر على سمعة القضاء العراقي على المستويات المحلية والاقليمية والدولية إذ لا توجد محكمة في العالم تتبع هذا النهج في اتخاذ القرارات ويمكن ان يؤدي هذا الاسلوب في اتخاذ القرارات الى تعطيل عمل المحكمة، لذا بذل القضاء جهد استثنائي بالتعاون مع الجهات التي أدركت خطورة ما يمكن أن يحصل فيما لو تم العمل بهذه الأفكار الغريبة عن العرف القضائي ونجح القضاء في اقناع مجلس النواب في الذهاب إلى الخيار الثاني وتشريع قانون تعديل الأمر (30) لسنة 2005 خاصة وان جميع مواد قانون التعديل المذكور هي من ضمن المواد الثمانية عشر في اصل القانون التي حصلت موافقة أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب على تشريعها بعد التصويت عليها بالموافقة إضافة إلى أن إجراءات تشريع قانون التعديل المذكور كانت متوقفة على التصويت بالموافقة بالمجمل على هذا القانون بعد أن تمت الموافقة بالتصويت على جميع مواده بشكل منفرد وفعلا تم التصويت بالموافقة على تشريع قانون تعديل الأمر (30) لسنة 2005 بالاغلبية البسيطة التي نرى انها دستورية وتكفي لتشريع القانون ذلك أن أغلبية الثلثين التي يتحجج بها البعض تنصرف إلى أصل قانون المحكمة الاتحادية العليا المنصوص عليه في المادة (92) من الدستور وليس إلى الأمر رقم (30) لسنة 2005 الذي اصدره في حينه رئيس مجلس الوزراء بحكم ما يمتلك من صلاحية تشريعية إلى جانب صلاحيته التنفيذية قبل نفاذ الدستور.
وبتشريع قانون تعديل الأمر رقم (30) لسنة 2005 تم معالجة العديد من الاشكاليات اهمها إيجاد جهة تختص بترشيح رئيس ونائب رئيس واعضاء المحكمة وهذه الجهة حسب نص المادة (٣/ثانيا) من قانون التعديل هي رؤساء مكونات السلطة القضائية المنصوص عليها في المادة (89) من الدستور وبحسب التسلسل الدستوري في تلك المادة (رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس المحكمة الاتحادية العليا ورئيس جهاز الادعاء العام ورئيس هيئة الإشراف القضائي) وقد اجتمع السادة المذكورين مباشرة بعد نفاذ قانون التعديل بتاريخ اقراره في مجلس النواب حسب نص المادة (8) من القانون المذكور وتم بالاتفاق اختيار تشكيل جديد للمحكمة وسط أجواء قضائية يسودها منطق النقاش العلمي والتقييم الموضوعي للمرشحين.
كما تم بموجب قانون التعديل معالجة الإشكالية التي كان يثيرها البعض بخصوص تصدي المحكمة الاتحادية السابقة لمواضيع تتعلق بتفسير الدستور باعتبار ان الامر رقم (30) لسنة 2005 خلا من اختصاص المحكمة بذلك اضافة إلى اختصاصات أخرى كان البعض ينكرها على المحكمة السابقة لذا تم النص في المادة (4) من قانون التعديل على جميع الاختصاصات الدستورية المنصوص عليها في المادة (93) من الدستور والمواد الاخرى لتدخل ضمن اختصاص المحكمة.
كذلك تمت معالجة حالة عدم اكتمال نصاب المحكمة التي قد تحدث مستقبلاً لأي سبب كان حيث استحدث منصب القضاة الاحتياط للمحكمة بموجب المادة(3/ب) من قانون التعديل.
ولم نتفق مع مجلس النواب في نقطة واحدة فقط وهي في جميع الاحوال غير معرقلة لسير عمل المحكمة تتعلق بسن التقاعد إذ ان المادة (6/ثالثا) من قانون التعديل حددت سن التقاعد بإكمال (72) سنة في حين كان رأينا ان يكون سن التقاعد على وفق أحكام قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل وقانون تحديد خدمة القضاة رقم (39) لسنة 2021بأن يكون إكمال (68) سنة أسوة بقضاة محكمة التمييز.
وبعد تحقق الولادة العسيرة للمحكمة الاتحادية العليا في ظروف معقدة رافقت تشريع قانون التعديل لاحظنا للأسف ان البعض صفق في بداية تشريع هذا القانون مرحباً به واعتبره (نصر) للقضاء والدولة المدنية (على حسب وصفه) وفضله على تشريع القانون الأصل الذي يضم في تكوين المحكمة خبراء الفقه الاسلامي وفقهاء القانون الا انه بمجرد ان اطلع هذا البعض على شروط التعيين في هذه المحكمة والتي يبدو انها بددت تمنيه بالعمل فيها انقلب على نفسه وروج محذرا من الاداء القادم لهذه المحكمة الجديدة وهي لم تبدأ بعملها بعد بل حتى قبل معرفة اسماء القضاة فيها.
لذا ندعو الباحثين والمختصين إلى مراجعة نصوص القانون والتحري بدقة عن وقائع ومجريات وظروف تشريعه من المصادر الموثوق بها وصولا إلى ممارسة حق النقد والتحليل العلمي الدقيق البناء مع احترامنا للطموح المشروع في العمل بهذه المحكمة او غيرها لجميع من يعتقد بنفسه انه اهلاً لذلك لكن يجب أن يكون هذا الطموح بعيد عن تشويه وتزييف الحقائق.
(( يروى ان احد الاشخاص معروف عنه انه (سيء) اعجبته فتاة رفضت الارتباط به وتزوجت من آخر يعاني من مشاكل في القدرة على الإنجاب وحاول (السيء) ان يستغل ذلك أملا في افتراق الزوجة عن زوجها عسى أن يتمكن من الارتباط بها لكنه لم ينجح و بعد سنوات طويلة من العلاج حملت الزوجة من زوجها وأثناء أنتظار الولادة و بينما كان الجميع بأنتظار الفرح بالمولود بعد طول انتظار اشاع (السيء) ان الحمل غير شرعي بقصد افساد فرحة الزوجين وذويهم لكن سعيه باء بالفشل لمعرفة الجميع بنواياه السيئة)).
فائق زيدان