العقوبات الأمريكية تربك مالية العراق وترجيحات بـ”شح” الدولار وأزمة جديدة
تسبب قرار وزارة الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات جديدة على 14 مصرفا عراقيا بعد أشهر من فرض عقوبات مماثلة على 4 بنوك مهمة بسبب تعاملات مالية مع إيران وأخرى مرتبطة بعمليات غسل أموال، برد فعل سريع داخل العراق، حيث أدى إلى تراجع قيمة الدينار أمام الدولار، إلى جانب توافد المودعين إلى البنوك المعاقبة لسحب أموالهم المودعة بالدولار.
وسجل الدينار العراقي في بورصتي بغداد وأربيل تراجعا حادا بواقع 1520 ديناراً للدولار الواحد، بعدما كان يتراوح بين 1450 و1460 ديناراً يوم الأربعاء. ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال”، الأربعاء، عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الولايات المتحدة منعت 14 بنكا عراقيا من إجراء معاملات بالدولار.
وجاء في تقرير صحيفة العربي الجديد أن الحظر، الذي فرضته وزارة الخزانة وبنك الاحتياط الفيدرالي، يأتي في إطار “حملة شاملة على تحويل العملة الأميركية إلى إيران”.
وأضافت الصحيفة أن الولايات المتحدة كشفت معلومات تفيد بأن البنوك العراقية شاركت في غسل أموال ومعاملات احتيالية، ربما شارك في بعضها أفراد مشمولون بالعقوبات، وأثارت مخاوف من أن إيران قد تستفيد من هذه المعاملات”.
عقوبات موضعية
وقال مصدر مسؤول في البنك المركزي العراقي، إن “إدارة البنك تلقت بشكل رسمي فرض العقوبات الأميركية على عدد من المصارف، والتي شملت كلا من مصرف المستشار الإسلامي للاستثمار والتمويل، مصرف القرطاس الإسلامي للاستثمار والتمويل، شركة طيف العراق، مصرف إيلاف، مصرف أربيل للاستثمار والتمويل، البنك الإسلامي الدولي، مصرف عبر العراق، مصرف الموصل للتنمية والاستثمار، مصرف الراجح، مصرف سومر التجاري، مصرف الثقة الدولي الإسلامي، مصرف أور الإسلامي، مصرف العالم الإسلامي للاستثمار والتمويل، مصرف زين العراق الإسلامي للاستثمار والتمويل”.
وتابع المصدر: “عملت إدارة البنك المركزي على إيقاف كل التعاملات بالدولار مع تلك المصارف ومنعها من دخول مزاد العملة ليوم الخميس”.
وبين المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه أن العقوبات موضعية لافتاً إلى أن الأخيرة “لن توقف كل أعمال المصارف هذه، لكن سيتم فقط منعها من التعامل بالدولار، فيما العمليات المصرفية الأخرى لن تتأثر بالعقوبات المفروضة، خصوصاً أن تلك المصارف لديها حسابات مصرفية لمواطنين بمليارات الدنانير، كذلك لدى تلك المصارف الكثير من رواتب الموظفين المُوطّنة فيها، فهذه الأعمال ستبقى مستمرة بشكل طبيعي”.
وأضاف أن “فرض العقوبات الأميركية على 14 مصرفاً عراقيا، سيكون له تأثير كبير على الوضع الاقتصادي والمالي العراقي، وهذه العقوبات سيكون لها تداعيات على رفع سعر صرف الدولار في السوق المحلي، فمنع تعامل هذه المصارف بالدولار سوف يسبب شحة جديدة في العملة الأميركية، وسيكون هناك لجوء من جديد لشراء الدولار وسحبه من السوق مما يرفع قيمته”.
وختم المصدر المسؤول في البنك المركزي العراقي أنه “بحسب المعلومات الواردة من وزارة الخزانة الأميركية، هناك مجموعة مصارف عراقية أخرى، قد تطاولها العقوبات خلال الفترة المقبلة، بسبب رصد أنشطة لها غير شرعية في إرسال العملة إلى إيران، خصوصاً أن الحوالات المالية بالدولار كلها مراقبة بشكل دقيق من قبل الخزانة الأميركية والبنك الفيدرالي الأميركي”.
صعود تدريجي
من جهته، قال عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي مصطفى الكرعاوي، إن “تداعيات اقتصادية كبيرة سوف يشهدها السوق المالي العراقي، بسبب فرض الولايات المتحدة عقوبات على عدد من المصارف، منها الارتفاع في سعر صرف الدولار الذي شهد ارتفاعا سريعاً بعد ساعات قليلة من فرض تلك العقوبات”.
وحذر الكرعاوي من أن “ارتفاع سعر صرف الدولار، لن يتوقف وسيكون هناك صعود تدريجي في كل يوم، وهذا الأمر يتطلب موقفا وإجراءات حكومية حقيقية للتصدي لهذا الأمر، الذي يمكن أن يتحول إلى أزمة نقدية كتلك التي حلّت خلال الأشهر الماضية مع بداية تشكيل الحكومة الجديدة، وهذا الأمر يتطلب حراكاً دبلوماسياً عراقياً نحو الخزانة الأميركية والفيدرالي الأميركي”.
وأضاف أن “اللجنة المالية في البرلمان العراقي، ستعمل على استضافة الشخصيات والجهات المسؤولة في البنك المركزي، لبحث تداعيات فرض العقوبات على عدد من المصارف العراقية الأهلية، ومعرفة ما هي إجراءات البنك للتصدي لارتفاع سعر الصرف بشكل كبير في السوق المحلي”.
في المقابل، قال الخبير في الشأن المالي والاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش، لـ”العربي الجديد”، إن “فرض العقوبات الأميركية، سيعيد أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل كبير في السوق المحلي، كذلك سوف يكون له تأثير على سمعة القطاع المصرفي العراقي أمام المجتمع الدولي، فهذه العقوبات تؤكد ضلوع تلك المصارف في الأعمال المخالفة للقوانين الدولية”.
وبين حنتوش أن “فرض العقوبات الأميركية على بعض المصارف، يؤكد عدم وجود رقابة عراقية من قبل البنك المركزي على عمل القطاع، بعكس الرقابة الأميركية على عمل المصارف، ما يشير إلى صعوبة إخراج أي دولار من العراق نحو الدول المعاقبة أميركياً وعلى رأسها إيران”.
ليست الأخيرة
وأكد حنوش أن “العقوبات الأميركية ضد المصارف العراقية، ليست الأولى، وعلى الأغلب لن تكون الأخيرة، وهذا الأمر يتطلب موقفاً حكومياً عراقياً لوقف العقوبات عما تبقى من المصارف المحلية، ومراقبة عمل المصارف بشأن منع التعامل بالدولار مع إيران وسورية ولبنان وروسيا”.
بدوره، قال مسؤول في مصرف إيلاف، أحد المصارف التي أدرجت على لائحة العقوبات الأميركية، إن المصرف تلقى إشعارا بحظر تعاملاته بالدولار، مؤكدا في اتصال عبر الهاتف أن “البنوك ستواصل عملها بالعملة المحلية”، رافضا التعليق على القرار الأميركي بشأن تورط البنوك المعاقبة بتعاملات مالية “مشبوهة”.
واعتبر الخبير المالي العراقي أحمد الجنابي، أن المصارف الخاصة فشلت في تنفيذ تعليمات البنك المركزي، وأصبحت عبئاً على الاقتصاد العراقي. لافتاً إلى وجود عدة أسباب لفشل هذه المصارف أبرزها اعتمادها على الأرباح السريعة في مزاد العملة، دون مخاطر مالية تُذكر، وعدم قدرتها على جذب الودائع وتنميتها، وعدم تحقيق الأهداف الاستثمارية بسبب فشل المصارف الخاصة في استقطاب رؤوس أموال حقيقية وتوظيفها في المجالات الاقتصادية.
وعلى الرغم من إقرار الحكومة العراقية حزمة إجراءات مالية كان أبرزها تثبيت سعر صرف الدينار العراقي عند 1320 ديناراً مقابل الدولار الواحد، إلا أنه ورغم مضي عدة أشهر على هذا القرار، ما زال الفارق كبيرا بين سعر الصرف الرسمي المعتمد لدى البنك المركزي العراقي وبين السوق الموازية.