لـ ’تجاوز الابتزاز التركي’.. العراق يخطط لإحياء صادرات النفط إلى 3 دول عربية
يبحث مسؤولون عراقيون خططا لإحياء خطوط صادرات النفط العراقية إلى سوريا والأردن والسعودية، في محاولة لتجاوز ما بات يوصف بأعمال الابتزاز من جانب تركيا التي تواصل رفض استئناف صادرات النفط العراقية من حقول كردستان إلى ميناء جيهان التركي.
ولكن التساؤل الذي ما زال يشغل الأوساط المعنية بهذه الخطط في الدول العربية الثلاث هو: هل خطط العراق مجرد محاولة للرد على الابتزاز التركي بابتزاز مضاد، أم هي خطط جدية وذات أهمية إستراتيجية بالنسبة إلى العراق؟ هذا بالإضافة إلى مدى قدرة بغداد على توفير التمويلات الضرورية لتنفيذ هذه المشاريع.
وقررت تركيا وقف تصدير كميات من النفط تبلغ 450 ألف برميل يوميا، منذ أن أقرت المحكمة التجارية الدولية في باريس بأن تدفع أنقرة تعويضات للعراق تبلغ 1.5 مليار دولار عن صادرات نفط غير مشروعة تمت عبر ذلك الخط بمعزل عن موافقة بغداد. وكانت عمليات تلك الصادرات قد تم ترتيبها بالتنسيق بين أربيل وأنقرة من دون موافقة بغداد أيضا، وتضمنت تخفيضات في الأسعار مبالغًا فيها، ويسود اعتقاد أنها كانت جزءا من صفقات فساد متعددة الرؤوس.
وتحاول تركيا التملص من دفع التعويضات، لكن وقف الصادرات يُلحق بالعراق أضرارا تبلغ نحو 31 مليون دولار كل يوم، أو ما يعادل مليار دولار كل شهر. والخط متوقف منذ منتصف مارس الماضي.
ويلبي الجانب الإستراتيجي المتعلق بالخطوط العربية الثلاثة طموح بغداد إلى إيجاد منافذ بديلة ودائمة لصادراتها النفطية، تسمح بزيادة الإنتاج إلى 8 ملايين برميل يوميًا بحلول 2027. لكن كل خط من الخطوط المقترحة يتطلب تمويلات تتراوح بين 2 و8 مليارات دولار. ويقول خبراء اقتصاديون إنها تكاليف زهيدة قياسا بالفوائد التي يمكن أن يحققها العراق؛ ذلك أن تصدير 8 ملايين برميل من النفط يوميا سوف يزيد عائدات العراق إلى أكثر من 200 مليار دولار سنويا، أو ما يعادل ضعف عائداته الحالية. ووحدها العائدات الإضافية يمكنها أن توفر للخزانة العراقية فرصة تنفيذ المشاريع الاستثمارية الأخرى، التي لا تستطيع العائدات الحالية تغطيتها.
ويقول مستشار رئيس الوزراء العراقي للعلاقات الخارجية فرهاد علاء الدين إن هناك مفاوضات لإعادة إحياء خط أنابيب النفط مع السعودية، والذي كان موجودًا في السبعينات، وإن هناك تفكيرًا في تفعيل خط أنابيب للنفط عبر سوريا، إلى جانب خط أنابيب البصرة – العقبة قيد الدراسة من قبل المستشارين حاليًا.
وخضع مشروع خط أنابيب البصرة – العقبة لعدة دراسات شملت تفاصيل خطط التمويل والملكية، ولكنها تعطلت بسبب ضغوط الجماعات الموالية لإيران التي زعمت أن وصول النفط العراقي إلى ميناء العقبة سيجعل إسرائيل تستفيد منه. وهو أمر اعتبره المسؤولون الأردنيون أكذوبة لا علاقة لها بالمنطق، لأن ميناء العقبة يقع تحت سيادة الأردن.
ويصدر العراق حاليا نحو 3 ملايين برميل من النفط يوميا عبر موانئ البصرة. ويمكن لخط العقبة أن يزيد الصادرات بمقدار مليون برميل يوميا.
وكانت حكومة مصطفى الكاظمي أرجأت في17 أبريل 2022 اتخاذ قرار تنفيذ هذا الخط وتمت إحالته إلى الحكومة المقبلة. وعاد البحث فيه ليتجدد عقب قرار تركيا وقف صادرات النفط العراقي إلى ميناء جيهان.
وتبلغ كلفة مشروع خط أنابيب البصرة – العقبة نحو 8.5 مليار دولار، وهو بطول 1665 كيلومترًا. وكان المشروع واحدا من مخرجات القمة الثلاثية الأردنية – المصرية – العراقية الرابعة التي عقدت في بغداد خلال يونيو 2021. وتعود فكرة هذا المشروع إلى عام 1983. وتقول وزارة النفط العراقية إن المشروع استثماري واقتصادي وإستراتيجي وتنموي، يهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول الجوار والمنطقة، بما يخدم المصالح المشتركة ويؤدي إلى المزيد من الاستقرار وتطوير العلاقات في جميع المجالات.
أما بخصوص خط البصرة إلى ميناء ينبع السعودي على البحر الأحمر فيقول مسؤولون عراقيون إن هناك الآن مفاوضات جادة لإعادة إحيائه. وكان هذا الخط فعّالاً في السبعينات والثمانينات. وجرى مده لتنويع منافذ التصدير العراقية، خاصة في ظل مهاجمة إيران لناقلات النفط العراقية بالخليج في تلك الفترة، قُبيل وأثناء الحرب العراقية – الإيرانية (من سبتمبر 1980 حتى أغسطس 1988). وأغلقت السعودية الخط في عام 1990 بعد الاجتياح العراقي للكويت.
ويقدر الخبراء أن إحياء هذا الخط يمكن أن يوفر للعراق منفذا لتصدير مليون برميل نفط إضافي، وأن تكاليف تطويره لا تتجاوز 2.5 مليار دولار، وهو ما يمكن اعتباره خيارا سهلا. لكن يُخشى أن تتكرر العقبات التي وضعتها الجماعات الموالية لإيران، بهدف عرقلة خط البصرة – العقبة، حيال خط البصرة – ينبع بذرائع أخرى.
ويقول علاء الدين إن “هناك تفكيرا أيضا في تفعيل خط أنابيب للنفط عبر سوريا، إلى جانب خط أنابيب مع الأردن”.
والعقبة الوحيدة التي تقف أمام هذا الخط هي التكاليف التي تقدر بنحو 8 مليارات دولار. وبينما لا تملك سوريا أموالا للاستثمار فيه، فإن العقوبات الأميركية ضد دمشق تشكل عقبة أخرى. أما الجماعات الموالية لإيران، فإنها ترحب بهذا المشروع.
ويبلغ طول الخط الذي يربط بين حقول كركوك وميناء بانياس في سوريا نحو 800 كيلومتر، وكانت قدرة الضخ فيه تبلغ 300 ألف برميل في اليوم عندما تم افتتاحه في أبريل 1952، وظل يعمل حتى أدت الخلافات بين الحكومتين إلى وقفه في الثمانينات، وتم استئناف عمله مجددا. ولكنه تعرض أثناء غزو العراق عام 2003 إلى أضرار جسيمة قصدت تدميره من خلال الغارات الجوية الأميركية، وظل خارج الخدمة منذ ذلك الوقت.
وفي إطار ترحيب الجماعات الموالية لإيران بالمشروع تم في 17 ديسمبر 2007، على هامش زيارة قام بها رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي إلى سوريا، الاتفاق على إعادة تأهيل الخط. ولكن اتضح فيما بعد أن كلفة إعادة التأهيل أبهظ من كلفة بناء خط أنابيب جديد. وتم الاتفاق في سبتمبر 2010 على بناء خطين جديدين، الأول بقدرة 1.5 مليون برميل يوميا يقوم بنقل النفط الخام الأثقل بينما تصل قدرة خط الأنابيب الثاني إلى 1.25 مليون برميل يوميا، وهو يقوم بنقل النفط الخام الأخف.