تقرير يكشف أسباب تراجع ’توتال’ عن الشروط النهائية لـ’الصفقة العملاقة’ في العراق
أفادت مصادر قبل فترة بتعثر صفقة قيمتها 27 مليار دولار بين شركة توتال إنرجي والحكومة الفيدرالية في العراق. ويبدو أنها في طريق الاستئناف، وإن لم تكن بالشكل الذي تخيلته شركة النفط والغاز الفرنسية الكبرى في البداية، بحسب تقرير لصحيفة “العرب” اللندنية.
ولعبت شركة توتال إنرجي وإيني الإيطالية وبريتيش بتروليوم البريطانية، دورا رئيسيا في محاولات أوروبا لتأمين إمدادات طاقة جديدة لتعويض وارداتها من الطاقة الروسية التي ابتعدت عنها ضمن عقوباتها المسلطة على موسكو منذ غزو أوكرانيا في فبراير 2022.
وتبقى توتال إنرجي مدركة تماما للمخاطر الكامنة في ممارسة الأعمال التجارية في قطاع النفط والغاز في العراق أثناء مواصلة سعيها لتحقيق الصالح العام الأوروبي.
وقد يكون هذا الإدراك بالمخاطر سبب التراجع عن الشروط النهائية للصفقة العملاقة، بما تسبب في تأخيرها منذ توقيع الاتفاقية الأولية في سبتمبر 2021.
ويكمن الخطر الرئيسي الذي تواجهه شركات الطاقة الغربية العاملة في العراق في سيناريو الوقوع في فخ الفساد المستشري الذي ينتشر في قطاعي النفط والغاز في البلاد، مما يضرّ بسمعتها والبلد الذي تمثله، إضافة إلى التبعات المالية والتشريعية.
وطالما كان العراق ضمن أسوإ 10 دول من أصل 180 دولة من حيث حجم الفساد ونطاقه في منشورات “مؤشر مدركات الفساد” التي تطرحها منظمة الشفافية الدولية المستقلة سنويا.
وتنص المنظمة على أن العوامل التي قادت البلاد إلى أسفل تصنيفات الفساد الدولية، وأثارت العنف السياسي وأعاقت بناء الدولة بشكل فعال وتقديم الخدمات، تشمل الاختلاس الهائل وعمليات الاحتيال في مجال المشتريات وغسيل الأموال وتهريب النفط وانتشار الرشوة والبيروقراطية.
وخلص تقريرها إلى أن التدخل السياسي في هيئات مكافحة الفساد وتسييس قضاياه وضعف المجتمع المدني وانعدام الأمن ونقص الموارد والأحكام القانونية غير المكتملة تقوّض قدرة الحكومة على الحد من الفساد المتنامي.
ويُذكر أن هذه المخاطر المرتبطة بقطاعي النفط والغاز في العراق (اللذان لا يزالان يمثلان أكثر من 99 في المئة من صادرات البلاد، و85 في المئة من ميزانية الحكومة، و42 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) هي التي دفعت شركات الطاقة الغربية الكبرى إلى مغادرة البلد خلال السنوات الأخيرة. وشمل الاتجاه مغادرة شل لحقل مجنون النفطي العملاق في 2017 وحقل نفط غرب القرنة 1 العملاق في 2018، وإعلان شركة إكسون موبيل الأميركية أنها تريد أيضا الخروج من غرب القرنة 1 وانسحابها من مشروع إمداد مياه البحر المشترك المندرج ضمن الصفقة العملاقة المذكورة لشركة توتال إنرجي. ويكمن سبب مضي العراق قدما في الصفقة في أن الصين لا تمتلك القدرات التقنية لتنفيذ كلما جاء فيها.
وبعد وقت قصير جدا من إعلان توتال عن هذا الاستثمار الضخم الجديد في سبتمبر 2021، أعلن العراق أيضا عن مساعي إعادة إحياء شركة النفط الوطنية العراقية. وقال رئيس شركة استشارات وبحوث التنمية بأوسلو أحمد موسى جياد في تصريح له سنة 2018 إن المادة 12 من القانون المتعلق بإنشاء شركة النفط الوطنية العراقية تضمنت غطاء قانونيا للفساد من خلال تخصيص 10 في المئة على الأقل من عائدات صادرات النفط لثلاثة صناديق (“صندوق المواطنين” و”صندوق الأجيال” و”صندوق إعادة البناء”). وأضاف أنه يمكن توسيع سلطة مجلس إدارة شركة النفط الوطنية العراقية إلى أبعد من ذلك، حيث ستعتبر الإيرادات المتأتية من تصدير النفط والغاز من الإيرادات المالية لشركة النفط الوطنية العراقية وفقا لإصدار 2018 من القانون (ونسخة 2021 المتعلقة بشركة النفط الوطنية العراقية).
ولسوء حظ العراق، سرعان ما أصبح واضحا أنه لا يمكن للمرء أن يصبح شخصية بارزة في شركة النفط والغاز الرائدة في فرنسا من خلال كونه ساذجا ككل من توقع أن تكون فكرة إعادة إحياء شركة النفط الوطنية العراقية جيدة. ورفضت توتال إنرجي بسرعة الدخول في شراكة مع مؤسسة النفط الوطنية العراقية لغياب وضوح الوضع القانوني للشركة التي لا تثق بها. ثم أبطلت المحكمة الاتحادية العليا في العراق في أكتوبر 2022 قرار إعادة إحياء شركة النفط الوطنية العراقية على أساس أن العديد من بنودها التأسيسية كانت تنتهك الدستور.
ويبدو أن قوة الدفع بين شركة توتال إنرجي ووزارة النفط كانت تهدف منذ ذلك الحين، على الجانب الفرنسي على الأقل، إلى الحفاظ على شرعية كل بند ينظّم التعاملات الثنائية كما هو متوقع من مثل هذه الشركة الغربية.
وأبرزت تجارب شركات الطاقة الغربية في العراق أن هناك مفتاحين للخروج من مصفوفة المخاطر/ المكافأة في قطاع النفط العراقي بسمعة سليمة. ويكمن الأول في تحديد معنى كل كلمة في كل جملة في كل عقد بأفضل الآليات القانونية المتاحة في الغرب، وهذا ما فعلته توتال إنرجي.
ويكمن الثاني في تقليل المخاطر في المشاريع التابعة لأي كيان مرتبط بحكومة العراق وإن كان بصفة غير مباشرة. وقد يكون هذا سبب قرار توتال إنرجي بالمضي قدما في الصفقة الضخمة عند تخلي الحكومة العراقية عن مطالبتها بزيادة حصتها في المشروع من الـ25 في المئة المتفق عليها إلى 40.
وتنص الاتفاقية الحالية على امتلاك الحكومة العراقية، من خلال شركة نفط البصرة، حصة 30 في المئة في الصفقة العملاقة. وستمتلك شركة توتال إنرجي 45 في المئة منها، بينما تمتلك شركة قطر للطاقة الحصة المتبقية البالغة 25 في المئة. وتبرز أدلة على تطور قطر لتصبح ملائمة أكثر لمتطلبات الطاقة الغربية.
وإذا تقرر تنفيذ الصفقة كما هو مخطط لها، فقد تغير قواعد اللعبة بالنسبة إلى العراق. وتشمل مشاريعها الانتهاء من مشروع إمداد مياه البحر المشترك الحاسم لتمكين البلد من الوصول إلى أهدافه طويلة الأجل لإنتاج النفط الخام والتي تبلغ 7 ملايين برميل في اليوم، ثم 9 ملايين، ثم 12 مليونا. ويتضمن المشروع أخذ مياه البحر من الخليج ومعالجتها ثم نقلها عبر خطوط الأنابيب إلى مرافق إنتاج النفط للحفاظ على الضغط في مكامنه وتحسين طول عمر الحقول ودورة إنتاجها. وتتمثل الخطة التي طال تأجيلها لبرنامج دعم الأمن الاجتماعي، في توفير حوالي 6 ملايين برميل من المياه في البداية لما لا يقل عن خمسة حقول في جنوب البصرة وواحد في محافظة ميسان، ثم يتم توسيع استخدامها إلى حقول أخرى.
ويعدّ المشروع الثاني ملحا أيضا. ويكمن في جمع وتكرير الغاز الطبيعي المصاحب الذي يتواصل حرقه حاليا في خمسة حقول نفطية في جنوب العراق وهي غرب القرنة 2 ومجنون وطوبا واللحيس وأرطاوي. وأبرزت تعليقات وزارة النفط العراقية الأولية العام الماضي أن المصنع الذي يشارك في هذه العملية من المتوقع أن ينتج 300 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا ثم يضاعف ذلك بعد مرحلة ثانية من التطوير. وصرّح وزير النفط العراقي إحسان عبدالجبار العام الماضي أن الغاز المنتج من مشروع توتال إنرجي الثاني في الجنوب سيساعد العراق على قطع وارداته من الغاز من إيران. كما سيسمح الاستيلاء الناجح على الغاز المصاحب بدلا من حرقه للعراق بإحياء مشروع البتروكيماويات المتوقف منذ فترة طويلة مع شركة نبراس للطاقة الذي تبلغ تكلفته 11 مليار دولار، والذي يمكن استكماله في غضون خمس سنوات ليحقق أرباحا تقديرية للبلاد تصل إلى 100 مليار دولار خلال مدة العقد المبدئي التي تبلغ 35 عاما.
وتتمتع شركة توتال إنرجي بالفعل بخبرة العمل في جميع أنحاء العراق، حيث تمتلك 22.5 في المئة من حقل الحلفاية النفطي في محافظة ميسان في الجنوب وحصة 18 في المئة في حقل سرسنك النفطي البري في إقليم كردستان العراق. ويمنحها هذا خبرة تشغيلية محددة في العراق مما سيمكنها من زيادة إنتاج النفط الخام من حقل أرطاوي النفطي، وهو ثالث المشاريع الأربعة التي تلتزم بها. ووفقا لتصريحات سابقة من وزارة النفط العراقية، ستساعد شركة توتال إنرجي في زيادة الإنتاج من حقل أرطاوي النفطي إلى 210 آلاف برميل يوميا من النفط الخام، في ما سيشكل ارتفاعا من 85 ألف برميل يوميا حاليا. وسيكون آخر المشاريع الأربعة التي من المقرر أن تنفذها الشركة الفرنسية بناء محطة طاقة شمسية بقدرة ألف ميغاواط في العراق وتشغيلها.