اقتصادمحلي

إجراءات حكومية طموحة لتحفيز الاستثمار الأجنبي في العراق

تسعى الحكومة العراقية من خلال حلول جذرية تعالج التحديات الراهنة الى نهج جديد يستهدف تنويع مصادر الاقتصاد وتنشيط حركته، وتفتح آفاقاً أوسع أمام تدفق الاستثمار الأجنبي باقتصاد البلد الذي يعاني من اختلالات هيكلية ممتدة.

استعرض المستشار السياسي للحكومة العراقية فادي الشمري حزم الإجراءات المرتبطة بالتعديلات القانونية والإدارية المختلفة لتشجيع الاستثمار الاجنبي في البلاد ، مبينا رؤية حكومة محمد شياع السوداني، في ذلك الصدد.

يأتي ذلك في وقت بدأت فيه عديد من الوزارات في وضع خطط بأبرز المشاريع، خاصة المرتبطة بالبنية التحتية، وسط مساعٍ حثيثة لجذب الاستثمارات من أقطار شتى، سواء من جانب دول في إقليم الشرق الأوسط ودول أجنبية، وكذلك بالاستفادة من عوائد النفط، ضمن مقاربة (النفط مقابل الإعمار) خلال التعامل مع بعض الدول.

كما أجرى مجلس الوزراء “تعديلات جوهرية ومهمة”، وفق وصف الشمري، من أجل تجاوز حلقات الروتين الإداري وخلق بيئة استثمارية متقدمة للمستثمر وإعطاء صلاحيات ومرونة أكثر للهيئة الوطنية للاستثمار وهيئات الاستثمار في المحافظات للتعامل مع المستثمرين واختصار الوقت عليهم”.. فما العوائد المرتقبة من تلك التعديلات؟ وما هي أبرز الفرص والتحديات التي تواجه بيئة الاستثمار في العراق؟

إنعاش الاقتصاد

يقول الخبير الاقتصادي العراقي، عادل الدلفي، إن الاستثمار الوافد (الأجنبي) للعراق سيكون له دور كبير في إنعاش الاقتصاد، لا سيما وأن الاقتصاد العراقي هو اقتصادي ريعي يعتمد على النفط، وبالتالي من الضرورة بمكان مواجهة التحديات المرتبطة بذلك في سياق هبوط وصعود أسعار النفط، وارتهان الاقتصاد لتلك المؤشرات بشكل مستمر.

والعراق هو ثاني أكبر مُنتج للنفط في منظمة “أوبك”، بمتوسط 4.5 مليون برميل يومياً، يُصدِّر منها حوالي 3.4 مليون برميل، حيث تعتمد الحكومة العراقية على إيرادات بيع الخام لتغطية نحو 95 بالمئة من نفقاتها. كما تعتبر احتياطيات النفط في العراق خامس أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم حيث تبلغ 145 مليار برميل.

ويشير الخبير الاقتصادي إلى خطة رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، من أجل تنويع الاقتصاد وتطوير القطاعات غير النفطية، وذلك بهدف فتح مناخ واسع أمام المستثمرين العرب والأجانب وتذليل الصعاب أمامهم، وذلك من خلال عدة إجراءات من بينها تعديل القرار رقم 245 لسنة 2019 والذي كان يحدد إمكانات الهيئة الوطنية للاستثمار، وقد جاء التعديل بما يمنح الهيئة صلاحيات واسعة من الحركة الإدارية والقانونية، بعرض تقليل البيروقراطية في الإجراءات المتخذة.

من بين الإجراءات كذلك التي يشير إليها الدلفي، في سياق تشجيع الاستثمار الأجنبي، ما يتعلق بتشجيع البنك المركزي على منح قروض للمستثمرين حال بلغت نسبة الإنجاز في المشاريع القائمة الـ 25 بالمئة.

وينسجم ذلك مع رؤية الدولة الهادفة غلى خلق بيئة استثمارية متكاملة تلبي احتياجات المستثمرين، ومن أجل إنجاز المعاملات خلال 30 يوماً.

ويضيف الخبير الاقتصادي العراقي: “تسهم تلك الإجراءات في تشغيل اليد العاملة وبناء العراق الذي لم يفتقد مشاريع حقيقية للتطوير والبناء منذ العام 2003″، موضحاً أن حزمة التعديلات الأخيرة من شأنها أن تغير الكثير من الأمور في العراق. كما يلفت إلى استقطاب بغداد إلى عدد من رجال الأعمال والشركات، وتوفير الإمكانات المختلفة لهم وتسهيل سبل الاستثمارات ضمن تلك الرؤية.

وزار عدد من رجال الأعمال العراق أخيراً، من بينهم رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، والذي أعلن عبر صفحته على تويتر، عن “مشروع عملاق في بغداد”، وذلك ضمن مجموعة من المشاريع التي تستهدف الحكومة جذب الاستثمارات الخارجية إليها.

مقومات هائلة

ويزخر العراق بمقومات وإمكانات هائلة، قدّرها المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر صالح، في تصريحات نقلتها عنه الوكالة الرسمية أخيراً، بما يزيد عن 15 تريليون دولار فيما يتعلق بالمواد الخام التي يتمتع بها البلد، الذي يأتي في المرتبة التاسعة عالمياً في هذا السياق.

ويشير صندوق النقد الدولي في أحدث بيانته بخصوص العراق، تلك الحاجة الماسة لوضع سياسة للمالية العامة أكثر تشديداً، من أجل تعزيز صمود الاقتصاد والحد من اعتماد الحكومة على الإيرادات النفطية مع الحفاظ على احتياجات الإنفاق الاجتماعي الملحة. حيث تتضمن الأولويات الرئيسية: تنويع إيرادات المالية العامة، وخفض الفاتورة الضخمة لأجور موظفي الحكومة، إصلاح نظام المعاشات التقاعدية.

تحديات واسعة

تواجه طموحات العراق من أجل تنويع مصادر الاقتصادي وجذب استثمارات أجنبية في قطاعات مختلفة، جملة من التحديات والصعوبات، لا سيما فيما يتعلق بالبنية التحتية والتشريعية.

وفي هذا السياق، يقول استاذ الاقتصاد بجامعة البصرة، الدكتور نبيل المرسومي، إن بيئة العمل والاستثمار في العراق غير جاذبة للاستثمارات الخارجية، في ضوء عديد من التحديات والصعوبات التي يواجهها المستثمر. ويستدل على ذلك بأن العراق يأتي في مرتبة متأخرة بمؤشر سهولة ممارسة الأعمال.

وفق أحدث البيانات المتاحة، يحتل العراق المرتبة 172 في المؤشر المذكور الصادر عن البنك الدولي، وهو المؤشر الذي يعد من المقاييس العالمية الأكثر استخداماً في تقييم الأداء التنظيمي للدول، خاصة جهود توسعة القطاع الخاص وجعل البلاد وجهة أكثر جذباً للاستثمار الأجنبي.

ويشير الخبير الاقتصادي العراقي إلى مجموعة من أبرز الصعوبات التي يُعاني منها مناخ الاستثمار في العراق، ضمن مُجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعيق وجود بيئة جاذبة للاستثمار؛ من أبرزها عدم ملائمة البنية التحتية، بخلاف الصعوبات القانونية المرتبطة بمناخ الاستثمار وصعوبات استخراج (الموافقات) الاستثمارية وطول أمد الإجراءات وتعقيدها (البيروقراطية)، وغير ذلك من الصعوبات ذات الصلة.

لكنّه يشير في الوقت نفسه إلى أن قطاعين يخالفان هذا الاتجاه ويتمتعان بجاذبية استثمارية في العراق، أولهما القطاع النفطي، وفي ضوء ما يحققه من عوائد كبيرة “ولا علاقة له بجودة البيئة الاستثمارية، كما أن الاستثمارات فيه بعيدة عن مراكز المدن”. القطاع الثاني هو “القطاع السكني” والذي أصبح جاذباً للمستثمرين، لما يوفره من إغراءات كبيرة.

ودون ذلك، فإن البيئة الاستثمارية لا تزال غير جاذبة، وفي ظل الاستقرار الأمني والسياسي الهش والصراع، وفق المرسومي، الذي يشدد على أن تحسين مناخ الاستثمار إنما يتطلب التعامل مع تلك التحديات وتذليلها من أجل جذب المستثمرين الأجانب.

وتعكس بيانات صندوق النقد الدولي، التي أعلن عنها منتصف العام الجاري، حول آفاق الاقتصاد العراقي، تقديرات متشائمة، جراء تباطؤ زخم النمو في الأشهر الأخيرة بعد تعافي الإنتاج النفطي العام الماضي.

من المتوقع أن ينكمش إنتاج النفط بنسبة 5 بالمئة في العام 2023.

يُتوقَّع لإجمالي الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي أن يستأنف النمو، ليبلغ نسبة 3.7 بالمئة في العام 2023.

من المتوقع أن يبلغ معدل التضخم 5.6 بالمئة في المتوسط خلال العام 2023، بعدما بدأت المعدلات في الاعتدال بعد أن ارتفعت إلى 7 بالمئة في شهر يناير الماضي

وفي الوقت الذي ذكر فيه الصندوق أن الظروف المواتية فى سوق النفط، قد دعم المراكز المالية والخارجية للعراق، فإنه شدد على أن الاختلالات الهيكلية قد استمرت في الاتساع.

زر الذهاب إلى الأعلى