رئاسة ترامب تترنح بعد “صدمة” الكابيتول
والرئيس الأمريكي المنتهية ولايته الذي تخلّى عنه عدد من المسؤولين الجمهوريّين بات منعزلاً في البيت الأبيض، وقد أعلن في تغريدة مقتضبة أمس الجمعة أنّه لن يحضر مراسم تنصيب جو بايدن رئيساً.
وأشاد بايدن بقرار ترامب هذا، وقال من ويلمينغتون في ولاية ديلاوير “قيلَ لي أثناء مجيئي إلى هنا إنّه أشار إلى أنّه لن يحضر التنصيب”.
وتابع بايدن “إنّها إحدى النقاط القليلة التي نتوافق بشأنها”، مضيفاً “إنّ عدم حضوره أمر جيّد”، معتبراً أنّ ترامب شكّل إحراجاً للبلاد، وقال “إنّه فاقد لأهليّة الحكم، إنّه أحد أكثر الرؤساء العديمي الكفاءة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكيّة”.
ولكنّ الرئيس المنتخب أكّد أنّ حضور نائب الرئيس مايك بنس أمر “مرحّب به”، وجاء في تغريدة ترامب “إلى جميع مَن سألوا، لن أحضر مراسم التنصيب في 20 يناير(كانون الثاني) الجاري”.
وترك بايدن للكونغرس مسؤوليّة إطلاق آليّة لعزل ترامب قبل 12 يوماً من انتهاء ولايته، الأمر الذي يُطالب به العديد من النوّاب الديموقراطيّين بعد أحداث الكابيتول.
وقال بايدن إنّ “الطريقة الأسرع لخروج ترامب من الرئاسة هي أداء اليمين في 20 يناير(كانون اثلاني) الجاري”، وتابع “ما يحصل قبل أو بعد، هو قرار يتعيّن على الكونغرس اتّخاذه، لكنّ ما أتطلّع إليه هو مغادرته المنصب”.
والتقى وزير الخارجيّة الأمريكي مايك بومبيو أمس للمرّة الأولى أنتوني بلينكن الذي اختاره بايدن ليخلف بومبيو، وفق ما أعلن مسؤول كبير في وزارة الخارجيّة.
وقال المسؤول إنّ “اجتماعهما كان مثمراً جداً”، لافتاً إلى أنّ غايته كانت تسهيل انتقال منظّم والتأكّد من حماية المصالح الأمريكيّة في الخارج، وأشار إلى أنّ الرجلين وكذلك فريقيهما سيواصلون العمل معاً لصالح الأمريكيّين خلال الفترة الانتقاليّة”.
ومن جهة ثانية، أعلنت الزعيمة الديموقراطيّة نانسي بيلوسي أمس أنّها تواصلت مع الجيش الأمريكي للتأكّد من أنّ ترامب لن يكون قادراً على استخدام الرموز النوويّة، متوعّدةً بأنّ الكونغرس سيتحرّك إذا لم يتنحّ سريعاً.
ونُكّست أعلام الكابيتول بعد وفاة شرطي كان أصيب في المواجهات مع أنصار ترامب، ما يرفع حصيلة أعمال العنف التي وقعت الأربعاء إلى 5 قتلى، ووجّه القضاء الفدرالي الأمريكي الاتّهام إلى 15 شخصاً في قضيّة أعمال العنف في الكابيتول.
ومع دعوات للاستقالة وخطط لإجراءات عزل وسَيل من الانتقادات لرئيس متّهم بتقويض المؤسّسات وصبّ الزيت على النار، بات ترامب قبل 12 يوماً على انتهاء ولايته منعزلاً في البيت الأبيض ووحيداً إلى حدّ كبير.
وكان أقرّ في رسالة عبر الفيديو نشرها مساء أول أمس الخميس أخيراً بهزيمته رغم أنّه لم يذكر أبداً بايدن أو حتّى هنّأه، وفي هذا الفيديو الهادف إلى محاولة إنقاذ نهاية ولايته، ندّد أيضاً “بهجوم مقيت” على الكابيتول، لكن دون أن يتطرّق إلى مسؤوليّته في هذه المأساة التي مسّت بصورة أمريكا في كلّ أنحاء العالم.
وقال الرئيس الجمهوري إنّه “ساخط إزاء أعمال العنف” التي ارتكبها مئات من أنصاره الذين اقتحموا مبنى الكابيتول، وأضاف “عشنا للتوّ انتخابات شديدة الوطأة، والمشاعر لا تزال جيّاشة لكن ينبغي التحلّي بالهدوء”.
غير أنّ عدداً من المسؤولين الديموقراطيّين والجمهوريّين أجمعوا على القول إنّ رسالته جاءت متأخّرة، فيما تتوالى الاستقالات في فريقه وإدراته.
ويعتقد بعض منتقديه أنّ الطريقة الأسهل هي أن يصمت الرئيس الخامس والأربعون ويترك نائب الرئيس مايك بنس يتولّى منصبه بحكم الأمر الواقع حتّى 20 يناير(كانون الثاني) الجاري، موعد أداء بايدن اليمين.
ويرى وزير الأمن الداخلي السابق جيه جونسون أنّ أيّ شخص لديه تأثير ضئيل على ترامب يجب أن يوصل إليه رسالة بسيطة “اصعد في طائرة الرئاسة وارحل إلى مارالاغو وابق هناك”.
وقال السناتور الجمهوري بن ساسي لإذاعة “ان بي ار”، إنّه “كلّما قام بأمور أقلّ خلال الأيّام الـ12 الأخيرة، كان الأمر أفضل”، مضيفاً “لقد كذب دونالد ترامب على الأمريكيّين والأكاذيب لها تداعيات”.
ودعت صحيفة وول ستريت جورنال التي يملكها رجل الأعمال روبرت مردوخ الذي كان حليفاً لترامب، في مقال افتتاحيّ الرئيس المنتهية ولايته إلى تحمّل مسؤولياته والاستقالة، وكتبت “سيكون هذا أفضل للجميع، بمن فيهم هو نفسه، إذا رحل بهدوء”.
ومن معقله في ويلمينغتون، تولّى بايدن بدون انتظار، دور القائد المكلّف تضميد جروح أمريكا المقسومة، قائلاً إنّها “عاشت أحد أحلك الأيّام في تاريخها”، واعتبر أنّ ترامب كثّف الهجمات منذ 4 سنوات على المؤسّسات الديموقراطيّة الأمريكيّة وأنّ هذه الحملة بلغت ذروتها الأربعاء الماضي.
وحضّ كبار مسؤولي الحزب الديموقراطي مايك بنس على أن يُعلن مع غالبيّة من أعضاء الحكومة أنّ ترامب “غير مؤهّل” لتولّي مهمّات منصبه استناداً إلى التعديل الخامس والعشرين في الدستور الأمريكي، لكنّ بنس لا يؤيّد هذا الأمر خشية أن يؤدّي إلى تفاقم التوتّر، حسب ما قال أحد القريبين منه لصحيفة نيويورك تايمز.
ويمكن للكونغرس أن يطلق إجراء عزل، وتستعدّ مجموعة من الأعضاء الديموقراطيين في مجلس النواب الأمريكي لتقديم إجراءات عزل.
ورأى زعيم الديموقراطيّين في مجلس الشيوخ تشاك شومر أنّ “ما حصل في الكابيتول يشكل تمرّداً على الولايات المتحدة بتحريض من الرئيس”، وأكّد أنّه “ينبغي على الرئيس ألا يبقى في منصبه ولو ليوم واحد بعد الآن”.
وحذّر زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كيفن ماكارثي الديموقراطيين، معتبراً أنّ إطلاق إجراء عزل ضد ترامب لن يؤدّي إلا إلى مزيد من الانقسام في البلاد.
وفي تغريدة نشرها صباح أمس الجمعة، لم يتطرّق ترامب إلى الدعوات لاستقالته، لكنّه أكّد أن الـ75 مليوناً من الوطنيّين الأمريكيّين العظماء الذين صوّتوا له سيكون لهم صوت هائل في المستقبل.
وأظهرت صور ملتقطة داخل المبنى العريق التاريخي أعضاء في الكونغرس يضعون الأقنعة الواقية من الغاز وعناصر شرطة يشهرون أسلحتهم ومتظاهرين يحتلون مكاتب مشرّعين.
وقضت امرأة من المقتحمين وعنصر شرطة في أعمال العنف، وتفيد وسائل إعلام بأنّ ثلاثة أشخاص آخرين قضوا أيضاً في ظروف لم تتّضح، وأثارت هذه المشاهد صدمة في العالم وألحقت ضرراً بسمعة الولايات المتحدة وصورتها كنموذج للديموقراطية، واستقال رئيس شرطة الكابيتول ستيفن سوند من منصبه بعد تعرضه لانتقادات كثيرة لإدارته الوضع.
وباشر القضاء تعقب المسؤولين عن الاقتحام، وقال المدعي العام الفدرالي في واشنطن مايك شيروين إن “55 إجراء قضائياً بوشرت في غضون 36 ساعة”، وأكد “هذه مجرد بداية”، موضحاً أن مئات من الموظفين يتتبعون وسائل التواصل الاجتماعي لتحديد هوية المشاركين في العملية،
ويظهر التململ واضحاً داخل الحزب الجمهوري وحكومة ترامب وفريقه، فقد أدى سلوكه المتطرف إلى ابتعاد جزء من أفراد معسكره، فقد استقالت وزيرتا التربية بيتسي ديفوس والنقل إيلين تشاو، وقالت ديفوس في رسالة موجهة إلى دونالد ترامب “لا يُمكن إنكار أنّ خطابكم كان له تأثير على الوضع، وهذا كان نقطة تحوّل بالنسبة إليّ”.
واستقال كذلك ميك مالفاني موفد الولايات المتحدة إلى إيرلندا الشمالية وقال في مقابلة مع “سي ان بي سي”، “لا يمكنني البقاء بعد ما حدث في الأمس (الأربعاء)”، كذلك، أعلن أعضاء كثيرون في مجلس الأمن القومي استقالتهم.
وأعرب السناتور الجمهوري لينسدي غراهام المقرب من ترامب عن قلقه من هذا النزيف وحضّهم “على البقاء، فنحن نحتاج إليكم أكثر من أي وقت مضى”.
ويتولى بايدن السلطة في مرحلة صعبة في التاريخ الأمريكي إلا انه سيتمتع بصلاحيات شبه مطلقة لمدة سنتين على الأقل بسبب سيطرة الديموقراطيين على مجلسي الكونغرس.