محلي

الجفاف وقرارات حكومية يهددان بـ”تلاشي” زراعة أرز عراقي “مميز” والبديل “باكستاني”

حذر تقرير أمريكي، من “تلاشي” زراعة الأرز “العنبر المميز” في العراق، بسبب الجفاف وقرارات الحكومة بالحد من استعمال المياه، ما أثرَّ على حياة العديد من الأُسرة العراقية التي تعيش على الزراعة، وأجبر العراق على استيراد الارز الاقل جودة ونكهة من الخارج.

وتناول تقرير لاذاعة “ذا وورلد” (العالم) الأمريكية ، قصة صلاح الفرعون الذي يعمل هو وأُسرته كمزارعين في جنوب العراق منذ أجيال، مشيرا الى انه في منزله في محافظة النجف، عرض ابنه محمد صورة لمزرعتهم التي تبلغ مساحتها 32 دونما والتي تظهر العشب الأخضر المورق على مد البصر، وهو يقول “انظر، أنها مغمورة بالمياه”.

لكن التقرير اشار الى ان المزرعة لم تعد تبدو هكذا الان، وهي الان قاحلة وجافة، ولم يعد أحد قادرا على فلاحة الأرض، موضحا أن الشح الحاد في المياه اثر على زراعة ارز الانبار المميز، حيث تتلاشى المياه بسبب مزيج من عوامل التغيير المناخي والجغرافيا السياسية.

ونقل التقرير عن الفرعون قوله، إنه “لا يوجد ارز، ولا خضروات، ولا شيء، ولا يوجد أي مزروعات.. باستثناء القمح”. وأضاف “النهر الرئيسي، جاف”.

وبحسب التقرير، فإن الفرعون كان يزرع الأرز خلال الصيف ثم يزرع القمح خلال الشتاء، والآن لم يعد بإمكانه سوى زراعة القمح، مضيفا أنه بسبب نقص المياه، لم يعد بإمكانه زراعة الأرز الأنباري، وهو أرز أبيض يتميز بحبته الطويلة واحتوائه على نسبة عالية من الدهون وهو فريد من نوعه في العراق، ويقدم تقليديا مع كل وجبة.

ولفت التقرير إلى كلمة “أنبار” تكتب باللغة الانجليزية “العنبر” وهي كلمة عربية تشير الى رائحة الأرز الشبيهة بالعطور. ونقل التقرير عن الفرعون قوله ان “أرز العنبر مهم جدا بسبب رائحته، وطعمه الشهي جدا”.

وتابع التقرير ان الحكومة العراقية منعت طوال العامين الماضيين، المزارعين من زراعة الارز لانه محصول يستهلك كميات كبيرة من المياه، اذ تحتم غمر الحقل الذي ينمو فيه الأرز بالكامل في الماء لمدة حوالي 5 شهور الى ان ينضج.

واضاف ان الحكومة لم تسمح بزراعة الارز سوى بالحد الادنى في مناطق معينة بهدف الحفاظ على البذور للزراعة في المستقبل.

واشار التقرير ان هذا الاجراء اجبر العراقيين على استيراد الأرز من دول اخرى، بما في ذلك إيران وباكستان والهند، إلا أن الأرز المستورد نكهته مختلفة عن الارز الانباري.

ونقل التقرير عن احمد سالم، وهو مدير لأحد المتاجر في سوق الوردة في وسط بغداد، قوله بينما كان يسكب بعض الأرز في عبوات لاحتساب وزنها، انه “كان هناك 5 انواع من الارز الانباري، ولكن الان لم يعد هناك سوى نوعين فقط”.

واضاف سالم ان “الاسعار تضاعفت. نحن نعتمد على الأرز الباكستاني البسمتي”.

وذكر التقرير بان العراقيين اعتمدوا طوال قرون على المياه من نهري دجلة والفرات، وهو ما منح العراق، أو بلاد ما بين النهرين القديمة، تسميات مثل “مهد الحضارة” و”ارض ما بين النهرين”، إلا أن تلك الارض اخذة بالجفاف.

ونقل التقرير عن الصحفي اشرف شيباني، المتخصص بشؤون المناخ، قوله إن التغير المناخي هو احد الاسباب وتأثيره ككرة الثلج.

ولفت التقرير الى الأرقام القياسية التي سجلتها درجات الحرارة في البلاد خلال الصيف الماضي، وسنوات الجفاف المستمرة، حيث تسببت الحرارة الشديدة ايضا في تدمير المحاصيل الزراعية في تركيا، مشيرا الى وجود اتفاقيات لتقاسم المياه بين الدول المحيطة بهذه الانهار، اي العراق وايران وتركيا وسوريا.

ونقل التقرير عن شيباني قوله أن آثار التغيير المناخي تتفاقم بسبب سوء الادارة والسياسات الاقليمية، موضحا “ان تأثير تغير المناخ سيجعل الجغرافيا السياسية أكثر وضوحا في المستقبل القريب، لان التنسيق الوثيق لن يكون خيارا، بل سيكون ملزما”.

ولفت الخبير البيئي إلى أن تركيا تواجه أيضا مظاهر جفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار وذوبان الثلوج في جبالها الجنوبية، وهو ما يعني أن كميات أقل من المياه ستتدفق الى الانهار، في حين شرعت تركيا ايضا في مشاريع بناء ضخمة في السنوات الاخيرة، بما في ذلك اقامة السدود ومحطات الطاقة الكهرومائية على طول نهري دجلة والفرات.

وبحسب شيباني، فإن “تلك القرارات المتعلقة بالمشاريع في تركيا تؤثر على حصة المياه في العراق”.

ولفت الى ان الحكومة العراقية لم تشارك في مفاوضات حول تقاسم المياه الاقليمية بشكل كبير، لانها كانت منهمكة بقضايا الامن الداخلي الخاصة بها. ونقل التقرير عن الفرعون، المزارع الذي لم يعد قادرا على زراعة الأرز الأنباري في حقوله، قوله إن يؤيد الرأي القائل بأن التغيير المناخي هو أحد العوامل، إلا أن الجغرافيا السياسية تلعب دورا رئيسيا ايضا.

ولفت التقرير الى أن الفرعون بالإضافة إلى كونه مزارعا، فانه أمضى ايضا 25 عاما في التدريس في مدرسة ثانوية زراعية تابعة لوزارة التعليم، مما أتاح له امتلاك نظرة ثاقبة حول كيفية تأثير الجغرافيا السياسية على ما يحدث في مزرعته.

واشار التقرير الى ان الفرعون قال ان وزيرا في الحكومة زار المزارعين مؤخرا وقال لهم انه سيتم تعويضهم عن خسائرهم، الا انهم لم يتلقوا أي مساعدة حتى الآن، مضيفا ان على الحكومة ان تقوم بما هو أكثر من مجرد الزيارات والوعود.

وقال الفرعون أنه “يجب على حكومتنا ان تجري محادثات جادة، ليس فقط مع تركيا، ولكن مع الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وحركة عدم الانحياز للحصول على حقوقنا”.

وختم التقرير بالإشارة إلى أن الفرعون يأمل ان تتاح لاطفاله ايضا الفرصة، مثلما كان الوضع طوال أجيال، ليتمكنوا من مواصلة أرث الأُسرة.

زر الذهاب إلى الأعلى