منوعات

هجمات العراق حفزتها.. جيوش تتسابق لمواجهة تحديات الطائرات المسيرات

سلّطت صحيفة “ذي ناشيونال” الصادرة بالانكليزية، الضوء على الجهود المتصاعدة للتعامل مع التحديات المتزايدة التي باتت تمثلها الطائرات المسيرة، وتحديداً في الشرق الأوسط، والهجمات المتكررة على القواعد الأمريكية في العراق، مشيرة إلى أن من بين الحلول المحدودة الكلفة التي يجري العمل عليها وتطويرها، أجهزة الليزر ومعدات التشويش لنظام تحديد المواقع العالمي “GPS” والمسيرات المخصصة لمطاردة المسيرات العدوة.

وبداية، ذكر التقرير، أن الشرق الأوسط ليس غريباً على استخدام الابتكارات في مجال الحرب، بدءاً من أول استخدام واسع النطاق للدفاعات الجوية المحمولة والأسلحة المحمولة المضادة للدبابات خلال الحرب العربية الإسرائيلية في العام 1973 وحتى حرب الخليج في العام 1991 في الكويت، عندما قامت الولايات المتحدة للمرة الأولى بدمج بيانات الأقمار الصناعية والصواريخ الموجهة.

مكافحة الطائرات المسيرة

والآن، يقول التقرير إن الشرق الأوسط شهد أيضاً أول استخدام للطائرات المسيرة ذات التصميم المدني، لأداء دور قتالي في كل من العراق وسوريا، مضيفاً أن هذه المنطقة هي التي تشهد أيضاً عمليات واسعة لتطوير تكنولوجيا مكافحة الطائرات المسيرة، وذلك بعد هجمات إيران والحوثيين على السعودية والإمارات، بالإضافة إلى استهداف القواعد العسكرية الأمريكية في العراق.

ونقل التقرير عن المتخصص في الصواريخ في شركة “جينز” للاستخبارات الدفاعية جيرمي بيني، قوله إن “الشرق الأوسط كان بمثابة دعوة للجيش الأمريكي لكي يستيقظ، لأنه لم يقم سوى بتطوير محدود لدفاعاته الجوية قصيرة المدى”.

وبحسب التقرير فإن المحللين يطلقون على هذه الفجوة اسم “فجوة شوراد”، أو الفجوة المتعلقة بالدفاع الجوي القصير المدى، إلا أن واشنطن تعمل بجدية من أجل التغلب على مشكلة اعتمادها الكبير على الأنظمة المصممة لاعتراض الطائرات والصواريخ الكبيرة التي تحلق على ارتفاعات عالية، مثل “باتريوت”.

الطيور المهاجرة

وفي المقابل، فإن أسراب الطائرات المسيرة التي تظهر على الرادار، فأنها تبدو وكأنها أسراب من الطيور المهاجرة، هذا في حال تم رصدها من الأساس.

ونقل التقرير عن بيني قوله إنه “على الرغم من أن الطائرات المسيرة بطيئة، إلا أنها تحلق على ارتفاع منخفض، تحت مستوى الرادار، ولهذا لا تتلقى الكثير من الإنذارات، وتحتاج بذلك إلى تعقبها والاشتباك معها”.

استهداف مكلف

وأضاف “في بعض الحالات، يكون الصاروخ المتطور هو خيارك الوحيد، ولكن المعادلة السيئة أنه يتم استخدام صاروخ تبلغ تكلفته ملايين الدولارات لإسقاط شيء لا يكلف سوى بضعة آلاف من الدولارات”.

ولفت التقرير إلى حادثة وقعت في العام 2017، عندما قالت الولايات المتحدة إن دولة حليفة لم تذكر اسمها، استخدمت نظام باتريوت لإسقاط طائرة مسيرة من طراز “كوادكوبتر” باستخدام طائرة اعتراضية من طراز “باك 3” تبلغ قيمتها 4 ملايين دولار.

وبالإضافة إلى ذلك، أشار التقرير إلى أن نظام دفاع “القبة الحديدية” الإسرائيلي مثال رئيسي آخر على الكلفة العالية لمثل هذا التصدي، حيث تتولى صواريخ اعتراضية ثمنها كبير، إسقاط صواريخ أو طائرات مسيرة رخيصة الثمن.

ولفت التقرير إلى أن البعض يرى مع ذلك أنه قد لا يكون هناك خياراً سوى القبول بمعادلة التكلفة الباهظة، موضحاً أن هؤلاء يقولون إنه إذا كانت تكلفة نظام “القبة الحديدية” تبلغ 100 ألف دولار لإسقاط طائرة “شاهد” مسيرة، إيرانية الصنع، كلفتها 20 ألف دولار، ولكنها تؤمن الحماية بذلك لمحطة طاقة قيمتها مليار دولار، فإن هذه الكلفة تصبح مبررة.

سلاح الليزر

وبرغم ذلك، قال التقرير إنه هناك سباق لخفض التكاليف، وأن أحد الحلول التي تعمل عليها الولايات المتحدة وإسرائيل، هو الليزر، وأنه في حال توفر طاقة بطارية كافية في النظام المستخدم، فإن تكلفة شعاع الليزر ستنخفض بسرعة إلى عدة دولارات لكل طلقة.

ونقل التقرير عن المحلل العسكري سام كراني إيفانز، قوله إن هذا الحل ما يزال يمثل إشكالية، موضحا أنه “من المحتمل أن يكون الليزر أكثر فعالية من الصواريخ، لكنك ستحتاج بعد ذلك إلى وحدة طاقة بالحجم المناسب، ويجب أن تكون كبيرة للتعامل مع الأسراب حيث تحتاج إلى إعادة شحن الليزر وتأمين دورات طاقة متعددة بسرعة كبيرة”.

وتابع التقرير أن إسرائيل أختبرت بالفعل “نظام الليزر آيرون بيم”  الخاص بها ضد طائرات مسيرة كبيرة الحجم.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن روسيا تستخدم الأنظمة المضادة بشكل رئيسي من خلال أجهزة تشويش الحرب الإلكترونية لتعطيل الملاحة عبر نظام تحديد المواقع العالمي “GPS” للطائرات المسيرة.

وتابع قائلاً إن ذلك يعني أيضاً أنه يتحتم على الروس إعادة تشغيل نظام تحديد المواقع “GPS” مرة أخرى عندما تريد قواتهم الجوية الهجوم بأسلحة دقيقة، وهو ما سيمنح تحذيراً مسبقاً.

نظام “ليدز”

وإلى جانب ذلك، ذكر التقرير أنه يجري حالياً تطوير الطائرات المسيرة مع رسم خرائط التضاريس، مما يلغي الحاجة إلى الطيران بالاعتماد على الأقمار الصناعية.

كما أن الولايات المتحدة طورت نظام “ليدز” المخصص لتدمير المسيرات الصغيرة والبطيئة والمحلقة على علو منخفض، وهو نظام مزود بالرادار وتقنيات الحرب الإلكترونية والتوجيه وأنظمة الكاميرا لاكتشاف وتتبع وتحديد الطائرات المسيرة، ولكن فقط لمجموعات مكونة من ثلاث مسيرات فقط، وهي تتولى حالياً حماية قواعد القيادة المركزية “سينتكوم” في منطقة الخليج.

وتابع التقرير أن اختبار الابتكارات الجديدة تجري في ساحات القتال أيضاً، مضيفا أن الهجمات على القواعد الأمريكية في العراق، أدت إلى تسريع تطوير الإجراءات المضادة.

وأوضح التقرير أن الولايات المتحدة نشرت بالفعل أجهزة ليزر بقدرة 50 كيلووات مثبتة على عربات مدرعة من طراز “سترايكر” في العراق، لكن واشنطن لم تفصح عما إذا كانت قد تمكنت من اعتراض طائرات مسيرة أم لا.

هجمات العراق

لكن التقرير نقل عن أحد محللي الدفاع في واشنطن قوله إن أشعة الليزر قد تم استخدامها بالفعل ضد مسيرات صغيرة في العراق.

وبحسب التقرير، فإن هذا السلاح نجح استناداً إلى الاختبارات التي أجريت، في تدمير قذائف الهاون، وهي أهداف يمكن رؤيتها بصعوبة بالعين المجردة.

وبالإضافة إلى ذلك، أشار التقرير إلى وجود نظام آخر مثبت على شاحنة، وهو نظام “كويوتي”، وهو عبارة عن طائرة مسيرة مصممة لمطاردة الطائرات المسيرة العدوة، وقد حقق عملية ناجحة في العراق، بحسب تأكيدات القيادة المركزية الأمريكية في كانون الثاني/ يناير الماضي.

حروب المستقبل

ولفت التقرير إلى الاستخدام الجماعي للطائرات المسيرة في حرب أوكرانيا، وهي أكبر حرب بين دولة ودولة منذ خاضت إيران والعراق صراعاً وجودياً في ثمانينيات القرن الماضي.

وقال التقرير إنه برغم البراعة والتطور الذي تتسابق كييف وموسكو على تحقيقه، إلا أن الخبراء يقولون إن هذا قد لا يعني أن ساعة الطائرات المسيرة قد حانت.

ونقل التقرير عن الباحثة التكنولوجية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أولريكي فرانكي، قولها إن هناك دروساً يمكن استخلاصها من حرب أوكرانيا، إلا أنه من الحكمة أيضاً “عدم المبالغة في تقديرها لأنه بصراحة تامة، في أوكرانيا، لم تحن ساعة المسيرات”.

وأوضحت أن هذه الحرب شهدت طيران طائرات صغيرة مسيرة ولفترات قصيرة، على عكس الطائرات الأمريكية الضخمة من طراز “أم كيو-9 ريبير” التي بمقدورها التحليق لمدة 27 ساعة وهي تحمل حمولة 1700 كلغ من القنابل، أو على عكس الطائرات المسيرة المتطورة الأداء التي بالإمكان إطلاقها من حاملات الطائرات.

وتابع التقرير أن مثل هذه الطائرات المسيرة، يظل من الممكن أن تكون عرضة للدفاعات الصاروخية على ارتفاعات عالية، مثلما جرى حدث عندما أسقطت إيران طائرة أمريكية من طراز “آر كيو-4” في العام 2019، أو أن تكون عرضة لتصدي طائرات عدوة لها، مثلما جرى عندما أسقطت طائرة أمريكية من طراز “أف -15” طائرة إيرانية مسيرة من طراز “مهاجر” في سوريا.

ونقل التقرير عن بيني قوله إن الشرق الأوسط هو المكان الذي تحققت فيه معظم مظاهر الريادة في هذا المضمار، موضحاً أن الحرب الأوكرانية “ربما تكتسب المزيد من الاهتمام، لكنها في الأساس نسخة موسعة مما رأيناه بالفعل في الماضي في الشرق الأوسط”.

كما نقل التقرير عن الباحثة في معهد فريمان للطيران والفضاء، صوفي أنتروبوس، قولها إنه فيما يتعلق بنشر الطائرات المسيرة أو التصدي لها، فإن حرب أوكرانيا، “بالإضافة إلى كونها حرب استنزاف مروعة، فإنها أيضاً أرض اختبار لهذه التكنولوجيا الجديدة”، مضيفة أن هؤلاء الذين يتكيفون بسرعة، هم من سيستفيد أكثر.

زر الذهاب إلى الأعلى