ثلاث قنابل تنفجر في العراق فجأة
دخل العراق فجأة في نفق سلسلة من الأزمات التي لم تكن متوقعة، ووضعت حكومته وقواه السياسية أمام تحديات مثيرة خلال أيام قليلة، على الصعيدين الداخلي والخارجي، من الانتقاد الأمريكي النادر نسبيا من جانب واشنطن حول قضية بطريرك الكلدان الكاثوليك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، وصولا الى تدهور العلاقات مع السويد، قبل وبعد اقتحام سفارتها في بغداد من جانب الصدريين، مرورا بالقرار الأمريكي المباغت بفرض عقوبات على 14 من البنوك العراقية.
وتطرح هذه التطورات تساؤلات جدية حول اداء حكومة محمد شياع السوداني، وحركة التنافس والصراعات الداخلية، وخاصة موقف التيار الصدري الذي ساهم أنصاره ليس فقط باقتحام السفارة السويدية وحرقها، وانما ايضا في إحراج الحكومة بضرورة اتخاذ موقف حاسم من حكومة استوكهولم التي كانت سمحت بحرق القرآن، ومن المحتمل أن تتدهور العلاقات الى مرحلة أعقد.
ولعل الاكثر خطورة في ما جرى في اليومين الماضيين، يتمثل في قرار واشنطن معاقبة عدد كبير من البنوك العراقية، في خطة بررتها في سياق منع استفادة ايران من الدولار، لكنها بالتأكيد سيكون لها تداعيات سلبية على استقرار الدينار العراقي، وتشكل رسالة سلبية بحق الاقتصاد العراقي الذي يتصرف السوداني حتى الان على انه احد الميادين الرئيسية التي يسعى الى تحقيق انجازات من خلالها، بما يساهم في تحسين صورة العراق والتأكيد على استقراره واهليته لاستقطاب الاستثمارات والمشاريع الكبرى.
ويتخوف مراقبون من ان تقود هذه التطورات الى نوع من العزلة او القطيعة السياسية مع العراق من جانب دول اساسية، بما في ذلك فيما يتعلق بالموقف من حقوق المسيحيين، او فيما يتعلق باستمرار التقارير التي تتحدث عن استفادة طهران من عمليات الدولار في العراق.
وقال الباحث السياسي منقذ داغر، أن التطورات تعكس خطوة فشل في ملف العلاقات الخارجية لحكومة السوداني، وهو فشل نابع من عاملين رئيسيين داخلي وخارجي، موضحا ان العامل الداخلي يتمثل بالتنافس مع الآخرين كالصدريين أو التنافس داخل قوى الإطار التنسيقي نفسها، حيث ان كل محور يحاول ان يظهر نفسه بأنه المسيطر على الساحة.
وتابع قائلا ان حكومة السوداني أو الإطار التنسيقي على اعتقاد أنه بمجرد تحسين العلاقات مع السفيرة الأميركية، وتقديم تطمينات بعدم وجود مشكلة مع بقاء القوات الأميركية في العراق، سيعطي الضوء الأخضر للحكومة لكي تفعل ما تشاء، وهو ما يمثل قراءة خاطئة.
وقال داغر ان الدول الخارجية وخصوصا الولايات المتحدة، منحت حكومة السوداني وقتاً كافياً لكي تكتشف ليس فقط النوايا وإنما تقرن ذلك بالأفعال، مشيرا الى ان هناك بعض الاحداث التي جرت وجعلت أميركا وأوروبا غير راضيتين عن ما يحصل في العراق، آخرها الاتفاق النفطي مع إيران بخصوص الغاز الإيراني، لذلك هي قراءة خاطئة من الداخل ونفاد صبر من الخارج.
وفي الوقت نفسه، دار سجال بين بغداد وواشنطن بسبب ما وصفه الأمريكيون بانها “مضايقات” يتعرض لها بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق الكاردينال لويس روفائيل ساكو، وسط توتر بينه وبين رئيس الجمهورية عبداللطيف رشيد وحركة بابليون المسيحية.
وخرجت الرئاسة العراقية الأربعاء، للتنديد بتصريحات للمتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر انتقد فيها “مضايقات يتعرض لها الكاردينال ساكو، بطريرك الكنيسة الكلدانية”، معرباعن أسفه لمغادرته بغداد.
واضاف ميلر “نحن قلقون لتعرض موقع الكاردينال بصفته زعيما محترما للكنيسة لمضايقات من جهات عدة”. وتابع قائلا ان واشنطن “تتطلع لعودته الآمنة، فالمجتمع المسيحي العراقي جزء حيوي من هوية العراق وركن أساسي من تاريخ العراق الحافل بالتنوع والتسامح”.
واصدرت الرئاسة العراقية بيانا مشيرة الى إنها تعتزم إرسال “استدعاء” للسفارة الأميركية في بغداد على خلفية تصريحات المتحدث الامريكي حول قضية الكاردينال ساكو. واعربت الرئاسة العراقية عن خيبة املها من هذه الاتهامات الامريكية.
وفي الوقت نفسه، فرضت الخزانة الامريكية، عقوبات على 14 مصرفا عراقيا في حملة على تعاملات ايران بالدولار، ما سيؤثر على استقرار الدينار الذي كان تعرض لاهتزازت قوية خلال الشهور الماضية بسبب القيود التي فرضتها الخزانة الامريكية على تعاملات الدولار في العراق.
لكن الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم قالت في حديث صحفي اطلعت عليه “تقدم” ان “البنك المركزي العراقي يمتثل لتعليمات البنك الفدرالي (الامريكي) من خلال المنصة وكل التعليمات الاخرى ولذلك ليس له دور في السلوك غير الصحيح لهذه المصارف”.
واضافت ان “المصارف التي فرضت العقوبة عليها بينت انه بفعل النفوذ التي تمتلكه على الواقع العراقي سواء الاقتصادي والغير اقتصادي باتت لا تمتثل لتعليمات الحكومة ولا البنك المركزي ولا الفيدرالي الامريكي”، مشيرة على وجه الخصوص الى غالبية المصارف الاسلامية. ودعت الى اعادة النظر في السياسة النقدية العراقية وفي صانعي القرار النقدي في العراق. كما اشارت سميسم الى ان ملف ادارة المصارف يدار من خلال النفوذ السياسي وليس من خلال ادارة اقتصادية التي كانت ستلتزم بالتعليمات ومنع غسيل الاموال.
وحذرت سميسم من احتمال ان تؤدي هذه الازمة الى شح في الدولار وارتفاع قيمته ما سيؤثر على قدرة الحكومة على تأمين الرواتب بالدينار.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي ضرغام محمد علي ان “العقوبات الامريكية ترافقت مع تعليمات جديدة للبنك المركزي للحد من تهريب العملة الاجنبية وتفاقم الزيادة السعرية في السوق الموازي عبر تحديد سقوف جديدة للمبالغ في بطاقات الدفع المسبق وتشديد ضوابط اصدارها واستخدامها خارج العراق”.
واضاف ان “هذه العقوبات ستدفع بقية المصارف الى تنفيذ تعليمات البنك المركزي عبر الالتزام بالمنصة الالكترونية وتجنب البيع غير القانوني للدولار”، متوقعا “ارتفاع سعره خلال الفترة القليلة المقبلة “.
اما الباحث الاقتصادي عمر الحلبوسي فقد قال ان على الحكومة والبنك المركزي العمل على منع انتهاك القوانين وعمليات التحايل على القوانين والاجراءات ومعاقبة المصارف التي تنتهك القوانين كونها تسهم في ارباك العمل المصرفي وتؤثر سلبيا على قيمة العملة الوطنية، وتفقد الثقة بالجهاز المصرفي.
واعتبر الحلبوسي ان من يدير البنك المركزي هو لوبي يتبع لجهات سياسية تربطها علاقات إقليمية مما جعله يعطل عمل البنك المركزي بل وجعل البنك المركزي جزءا من المشكلة بسبب قرارات خاطئة فضلا عن غض النظر عن انتهاكات المصارف وعدم معاقبتها لانها تتبع لجهات سياسية أو تربطها علاقات من فصائل مسلحة.
وتابع قائلا ان خروج هذا العدد الكبير من المصارف سيكون له تأثير سلبي على سعر الصرف، مما سيؤدي الى رفع سعر الصرف. وحذر الحلبوسي من وجود مصارف أخرى تحت المراقبة عليها مؤشرات سلبية وتمارس تعاملات غير قانونية ومن المرجح أن تصدر حزمة أخرى بمجموعة من المصارف التي ستفرض عليها عقوبات جراء انتهاكها للقوانين والاجراءات.
ومن جهته، قال الخبير الاقتصادي محمود داغر “لا شك من اليوم سوف يبدأ سعر صرف الدولار ارتفاعه ومن المتوقع أن يتجاوز 1500 دينار بسبب العقوبات”، لان 14 مصرفاً وقبلها 4 وقبلها 3 بالمجموع 21 مصرفاً خرجوا من خدمة التجارة، ولحين تدارك الموضوع وخلق التوازن في السوق، فان الدولار سوف يرتفع.