“طامة كبرى”.. ظاهرة تستفحل في العراق تنذر بالخطر مائياً
تتزامن أزمة المياه بسبب التغيرات المناخية العالمية، مع ما يعانيه العراق من قلّة الإطلاقات المائية من دول المنبع والمصب، وفيما تُرمى مخلفات المصانع والصرف الصحي بصورة مباشرة في الأنهر، تشهد البلاد، وفق رؤية حكومية وبرلمانية، ارتفاعاً بمستوى الإصابة بالأمراض نتيجة زيادة تراكيز “العناصر السامة” في المياه من دون حلول تلوح في الأفق لمعالجتها ما ينذر بكارثة مقبلة.
دول المنبع
وبحسب المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال، فإن “المشكلة الرئيسية لأزمة المياه في العراق، تعود لاستلام البلاد أقل من 35% من استحقاقها الطبيعي من الإيرادات المائية من دول الجوار المائي لأسباب كثيرة، منها قلّة الأمطار والغطاء الثلجي، فضلاً عن تنفيذ هذه الدول مشاريع استصلاح من سدود كبرى وغيرها”.
ويضيف شمال في حديث صحفي اطلعت عليه “تقدم” أن “انخفاض الإيرادات المائية يؤدي إلى انخفاض التصاريف المُطلقة من نهري دجلة والفرات وجميع الروافد المرتبطة بهما”، موضحاً أن “قلّة التصاريف تعني انخفاض المناسيب، وبالتالي يؤثر هذا الأمر على نوعية المياه، ويُسهم في زيادة تراكيز المواد الملوّثة وبعض العناصر الثقيلة والضارة بالبيئة والإنسان، وبكل الكائنات الحيّة”.
الحل السابق غير متوفر حالياً
ويبيّن المتحدث باسم الموارد المائية قائلاً، أن “في مثل هكذا حالات، كانت الوزارة سابقاً تُطلق كميات إضافية من الخزين الاستراتيجي لتخفيف هذه الملوّثات ودفعها بعيداً وتحسين بيئة النهر، لكن الآن لا يمكن الدفع بإطلاقات إضافية من الخزين الاستراتيجي، إذ إن المتوفر الحالي أقل خزين في تاريخ الدولة العراقية، والوزارة تجتهد في الحفاظ على هذا الخزين وعلى تطبيق نظام توزيعات مياه صارمة وعادلة لضمان إيصال المياه إلى محافظات العراق كافة”.
“الطامة الكبرى” بين اتفاق “الأسباب” واختلاف “المعالجة”
ويتفق عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية، باسم الغرابي، مع ما طرحه المتحدث الحكومي، حيث يُرجع مشكلة المياه إلى “عدم وجود اتفاقيات للإطلاقات المائية مع تركيا وإيران، ما أدى إلى انخفاض مستوى نهري دجلة والفرات بنسبة 75 بالمائة”.
ويضيف النائب في حديث صحفي اطلعت عليه “تقدم” ، كما أن “السقي والزراعة في البلاد تفتقر إلى تقنيات التنقيط والتقطير وغيرها من الأساليب الحديثة، ما أدى إلى حصول كارثة بيئية من نفوق الأسماك والأحياء والكائنات التي تعيش في المياه”.
ويوضح الغرابي، أن “قلّة المياه أدت إلى زيادة تراكيز الكثير من العناصر السامة في المياه من المغنيسيوم والكالسيوم والكلور، ونتج عن هذا ارتفاع مستوى الإصابة بالأمراض السرطانية والفشل الكلوي والأوعية الدموية والقلب والإسهال والمغص، والكثير من الأمراض الأخرى”.
ويكشف النائب، أن “في بعض المناطق والمحافظات مثل البصرة والديوانية والسماوة وذي قار، حصل تضاعف في هذه المواد السامة، وعلى سبيل المثال إذا كانت نسبة الكلور المسموحة بمقدار 200 غرام لكل لتر، يلاحظ وجوده بمقدار 2000 غرام في هذه المحافظات، وربما يتجاوز 2700 في البصرة”.
ولكن النائب الغرابي يعود لانتقاد الخطط الحكومية لمعالجة الأزمة، إذ يشير إلى “عدم وجود خطط تلبي الطموح وتتناسب مع هذه الكارثة البيئية، كما أن الخطط الحالية ينقصها التنفيذ على أرض الواقع، وهو ما يظهر في عملية رمي مياه الصرف الصحي مباشرة في مياه الأنهر”.
ويبيّن الغرابي، أن “وزارة البيئة بقلّة إمكانياتها وكوادرها والأجهزة الفاحصة لتلوّث المياه والهواء والتربة، تُفرض غرامات ضد المخالفين، لكن الجهات التنفيذية لا تُطبقها، ما أدى إلى استفحال هذه الظاهرة بسبب ضعف الإجراءات الحكومية الرادعة”.
ويؤكد، أن “تقارير وزارة البيئة ومنظمة الصحة العالمية تشيران إلى تضاعف مستمر لمستوى الأمراض، حيث تُرمى مياه المجاري بنسبة تصل ربما إلى 75% في نهري دجلة والفرات، وفي بغداد فقط ترمى 6 آلاف متر مكعب من المجاري مباشرة في مياه الأنهر، وهذه طامة كبرى”.
تلوّث ثلاثي
بدوره يوضح الدكتور عبد الحميد سالم البراك، أن “تلوّث الأنهر والبحيرات بمياه الصرف الصحي، هو عبارة عن تلوّث (بيئي كيميائي بيولوجي)، بسبب خلط المياه الصالحة للشرب مع المياه الملوّثة، ما يشكل خطراً بيئياً للإنسان والحيوان والنبات”.
ويضيف البراك في حديث صحفي اطلعت عليه “تقدم” أن “هذه المواد تحتوي على سموم تسبب تهيّج الجلد والإصابة بالأمراض الجلدية والأكزيما والعدوى الجرثومية والبكتيرية والفطرية، إضافة إلى مشاكل في الجهاز الهضمي والإنجاب والقلب والأوعية الدموية والعقم وتلف الكبد والكلى، وأحياناً الأمراض السرطانية، والتأثير على الصحة العقلية، وحدوث الطفرات الوراثية، وحالات التوحد التي تنتشر في المجتمع في الوقت الحاضر”.
ويتابع، “فضلاً عن التأثير البيئي وتلف الأراضي الزراعية الخضراء، وهذا بدوره يؤدي إلى انبعاث الروائح الكريهة، لذا يجب على دوائر الدولة المسؤولة، تدوير وتنقية وتعقيم المياه حسب المعدلات العالمية قبل إرسالها إلى الأنهر والبحيرات للحفاظ على الصحة المستدامة”.