أزمة المياه تضرب نساء وسط وجنوب العراق
أثرت أزمة شح المياه في العراق سلبا على حياة المواطنين بصورة عامة، وعلى نساء القرى في المناطق الجنوبية بصورة خاصة، من النواحي الجسدية والنفسية والاقتصادية، وحتى الاجتماعية.
وتعاني أغلب المحافظات العراقية من موجة جفاف غير مسبوقة، بسبب انخفاض منسوب نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من تركيا، منذ بدء عملية ملء سد أليسو بالمياه قبل سنوات، فضلا عن جفاف كامل لأنهر و روافد تنبع من إيران، ما سبّب انقطاع المياه عن عدد من المحافظات الزراعية.
من جهتها حذرت وزارة الموارد المائية العراقية، يوم الجمعة الماضي، من صعوبة تأمين مياه الشرب والسقي في الموسم المقبل في حال ارتفاع مستوى الجفاف إلى ما وصفته بـ”الحد الثالث”.
ويعيش العراق حاليا في الحد الثاني من الجفاف، أما “الحد الثالث” فهو شحّ قاسٍ جدا متوقع حدوثه الموسم المقبل، ما يؤدي إلى صعوبة كبيرة في تأمين مياه الشرب وسقي البساتين، وفقا لمختصين.
معاناة النساء من الجفاف
وعلى الرغم من تأثير أزمة شح المياه على أغلب المحافظات العراقية، إلّا أن لنساء القرى في المناطق الجنوبية وخاصة الزراعية الأثر السلبي الأكبر من هذه الأزمة، حيث تواجه النساء مصاعب متنوعة في سبيل الحصول على المياه.
وفي هذا الشأن تقول المواطنة غفران من محافظة الديوانية، إن “شح المياه أثر على حياتنا بشكل كبير، حيث كنت سابقا أجلب المياه من نهر يمر بالقرب من قريتي، أما الآن وبعد جفاف الأنهر، اضطر إلى قطع مسافات طويلة في سبيل الحصول على المياه”.
وتضيف “السير لمسافات بعيدة يعرض حياتنا لمخاطر عديدة، فضلا عن درجات الحرارة المرتفعة، وما يرافق ذلك من تعب ومشقة الطريق، ونتيجة لذلك أعاني حاليا من آلام في الظهر، وكل هذا من أجل جلب المياه لأُسرنا، أما بالنسبة لمحاصيلنا الزراعية فلا يوجد سبيل لريّها”.
هلاك البساتين
أما المواطنة أم عباس من أهالي الديوانية أيضا، فتذكر ، أن “أزمة المياه تسببت بهلاك بساتيننا الزراعية التي هي مصدر رزقنا الوحيد، ما أثر على وضعنا الاقتصادي بشكل كبير”.
الجفاف والزواج المبكر
وتعاني العديد من القرى وتحديدا الجنوبية من شح المياه الصالحة للشرب، “فلا توجد فيها شبكات للتوزيع، ما يضطر النساء في تلك القرى إلى الذهاب إلى مناطق أخرى بعيدة عن سكنهن لجلب المياه، حيث يقطعن مسافات بعيدة، تصل أحيانا إلى أكثر من 10 كيلومترات من أجل جلب المياه لعوائلهن”، بحسب الصحفي المتخصص في القضايا البيئية وتغير المناخ، خالد سليمان.
ويوضح سليمان، أن “في هذه المناطق عادة الرجال لديهم مسؤوليات أخرى بعيدة عن جلب المياه، والمرأة هي المسؤولة عن هذه المهمة، بالتالي يسبب قطع هذه المسافات البعيدة آثارا سلبية على صحة النساء الجسدية والنفسية”.
كما تؤثر قلّة المياه على الإنتاج الزراعي، الذي هو مصدر دخل الأُسر الريفية، “ما يؤدي إلى التزويج المبكر للفتيات، لأن الأُسر فقيرة ولا تملك المال الكافي لارسال بناتهن إلى المدارس، بدل ذلك يتم تزويجهن بشكل قسري، وهذا يؤدي بالنتيجة إلى مشاكل اجتماعية أوسع، من ضمنها التكاثر، فنحن الان نلاحظ في المجتمع العراقي أنه مجتمع نشط من حيث التكاثر، ويعود سبب ذلك إلى التزويج القسري المبكر”، وفقاً لسليمان.
وتؤكد الباحثة الاجتماعية، رقية سلمان، ما ذهب إليه المختص خالد سليمان، من اضرار قلّة المياه على نساء الأرياف من الناحية الصحية والنفسية، عن طريقة نقل نساء الأرياف للمياه “يحملن القدور على رؤوسهن لمئات الأمتار، بالتالي يسبب هذا مشاكل صحية لهن، منها أمراض الانزلاق وآلام في الاقدام، فضلا عن تعرض نفسيتهن للأذى، نتيجة قلقهن المستمر في كيفية توفير المياه لأُسرهن”.
وتوضح الناشطة في ختام حديثها “كما أن هذه المياه تكون أحيانا راكدة غير صالحة للاستهلاك البشري، ما يتسبب لهن بأمراض جلدية وباطنية”.
وكان مجلس الوزراء العراقي ناقش في جلسته التي عقدها أمس الثلاثاء، ملف شح المياه، مشيرا إلى وجود مؤشرات باستمرارها للموسم الرابع على التوالي، فيما وافق على طلب وزارة الموارد بتحديث الدراسة الاستراتيجية للمياه والأراضي.
ومما تجدر الإشارة له أيضا، أن الأمم المتحدة حذّرت في وقت سابق، من أن منسوب نهري دجلة والفرات في العراق ينخفض بنسبة تصل إلى 73%، ودعت إلى مشاركة العراق في مناقشات هادفة مع دول الجوار حول تقاسم المياه.