دولي

الشركات الناشئة في الهند… الرهان الجديد لمستثمري التكنولوجيا في العالم

بعد أن ظل قطاع شركات التكنولوجيا في الصين محل اهتمام المستثمرين الدوليين بفضل وتيرة النمو المتسارع للقطاع، جاءت الشهور الأخيرة لتثير مخاوف المستثمرين في ظل تزايد القيود والإجراءات التي تفرضها الصين على هذه الشركات.

وفي ظل هذه الظروف ظهرت الهند كبديل جديد لجذب مستثمري قطاع التكنولوجيا، وأصبحت الشركات الهندية الناشئة في هذا المجال محل اهتمام الكثير من المؤسسات الاستثمارية التي تقبل على شراء حصص في هذه الشركات الهندية.

وكان الأسبوع الماضي بمثابة منعطفاً مهماً بالنسبة لهذه الشركات الهندية، بعد أن نجحت في جذب استثمارات مهمة من مؤسسات ومستثمرين دوليين بارزين.

وأصبحت شركة تطبيق توصيل الأغذية الهندية “زوماتو ليتمد” أول شركة ناشئة هندية في مجال تكنولوجيا المعلومات تطرح أسهمها للاكتتاب العام، حيث جمعت حوالي 1.3 مليار دولار بمساهمة بنك الاستثمار الأمريكي مورغان ستانلي وشركتي تايجر غلوبال وفيديلتي إنفستمنتس.

كما قدمت الشركة المالكة لشركة خدمات الدفع الرقمي الناشئة الهندية “باي تم” مسودة نشرة الاكتتاب لما يمكن أن تكون أكبر عملية طرح عام أولي في الهند بحصيلة متوقعة تبلغ 2.2 مليار دولار، في حين جمعت شركة التجارة الإلكترونية الهندية فليبكارت أونلاين سيرفسز 3.6 مليار دولار كمساهمات جديدة من المستثمرين، لتصل القيمة السوقية للشركة المملوكة جزئياً لسلسلة متاجر التجزئة الأمريكية العملاقة وول مارت إلى 38 مليار دولار.

ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن هانز تونغ الشريك الإداري في شركة جي.جي.في كابيتال الأمريكية التي تدير أصولاً مالية بقيمة 9.2 مليار دولار القول إن “رواد الأعمال الهنود ظلوا يؤسسون الشركات الناشئة على مدى نحو عقد من الزمان حتى الآن، والبنية التحتية للإنترنت في الهند تحسنت بشدة في ذلك الوقت، في الوقت الذي يزداد فيه الإقبال على الاستثمار في أسهم شركات التكنولوجيا على مستوى العالم… بدأ المستثمرون رؤية الصعود القوي للقطاع في الهند التي يعتبرونها الصين الجديدة”.

وأعلنت شركة لينسكارت الهندية لبيع النظارات عبر الإنترنت جمع 220 مليون دولار من المستثمرين بما في ذلك صندوق الثروة السيادي السنغافوري تيماسيك هولدنجز وشركة الاستثمار فالكون إيدج كابيتال، وكانت الشركة قد جمعت في وقت سابق أموالاً من كيه.كيه.آر الأمريكية للاستثمار وسوفت بنك جروب اليابانية للاتصالات.

وعلى خلاف الصين، حيث أصبح استخدام الإنترنت أكثر تطوراً، ما زال الكثيرون من مستخدمي الإنترنت في الهند البالغ عددهم 625 مليون مستخدم يتحسسون وقع أقدامهم في عالم بث الفيديو عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي والتجارة الإلكترونية.

وتعتبر الفرص في مجال التسويق الإلكتروني جذابة بشكل خاص، حيث تمثل هذه التجارة في الهند أقل من 3% من إجمالي تجارة التجزئة في البلاد، ومازالت الشركات الناشئة في الهند تضخ الاستثمارات لإقامة سلاسل التوريد وشبكات التوصيل في مختلف أنحاء البلاد.

ومن المتوقع أن تصبح الهند أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان متفوقة على الصين خلال 10 سنوات، في حين أن رؤية المستثمرين للأوضاع في الهند تختلف بشدة عن رؤيتهم لجارتها الصين، فالسلطات الصينية تفرض قيوداً على شركات التكنولوجيا مما أدى إلى تراجع القيمة السوقية لهذه الشركات منذ فبراير(شباط) الماضي بنحو 800 مليار دولار.

وخلال الشهر الحالي حذفت الحكومة الصينية بصورة مفاجئة تطبيق خدمة النقل الذكي ديدي جلوبال من متجر التطبيقات الإلكترونية في الصين، بعد شهور من إجبار مجموعة تكنولوجيا الخدمات المالية الصينية آنت جروب المملوكة للملياردير جاك ما على وقف عملية الطرح العام الأولي لأسهمها قبيل بدء عملية الطرح، ومن المتوقع استمرار الحملة الصينية ضد شركات التكنولوجيا في ظل رغبة السلطات الصينية في الحد من نفوذ شركات الإنترنت وتعزيز سيطرتها على بيانات المستخدمين.

ويقول نيلش شاه رئيس شركة كوتاك ماهيندرا أسيت مانجمنت الهندية لإدارة الثروات إن شركات التكنولوجيا الهندية “يمكن أن تجذب المستثمرين الدوليين الذين تضرروا من الاستثمار في الشركات الصينية، كما أن نجاح عمليات الطرح العام الأولي لعدد من الشركات الناشئة الهندية التي مازالت تسجل خسائر، يمكن أن يعيد تقييم الكثير من الشركات القائمة ويدفع أسعار الأسهم إلى مزيد من الارتفاع بحسب شاه”.

وقد نجحت شركات التكنولوجيا الناشئة في الهند في جمع استثمارات قياسية خلال الربع الثاني من العام الحالي بقيمة 6.3 مليار دولار، في حين تراجعت الاستثمارات التي جذبتها الشركات الناشئة في الصين خلال الفترة نفسها بنسبة 18% مقارنة بأعلى مستوى لها والذي سجلته خلال الربع الأخير من 2020 وكان 27.7 مليار دولار، بحسب بيانات مؤسسة الأبحاث الاقتصادية سي.بي إنسايتس.

وتعتبر شركة فليبكارت التي تتقاسم السيطرة على سوق التجارة الإلكترونية في الهند مع شركة أمازون دوت كوم الأمريكية، من بين الشركات الناشئة الهندية التي تعتزم طرح أسهمها للاكتتاب العام خلال العامين المقبلين، حيث تضم القائمة شركة تكنولوجيا الخدمات المالية إي.تي أكسيس ماركتينج أند كوستالتنج ” المالكة لشركة خدمات التأمين عبر اٌلإنترنت بوليسي بازار.

كما تضم شركة الخدمات اللوجيستية ديلهيفري وشركة أولا لخدمات النقل الذكي، وستتيح عمليات الطرح الأولي للمستثمرين الأفراد امتلاك حصص في الشركات الناشئة التي تتيح أسهمها حالياً للمستثمرين العالميين فقط.

وأشار تقرير صادر عن مجموعة كريدي سويس المصرفية السويسرية في وقت سابق من العام الحالي إلى وجود حوالي 100 شركة ناشئة هندية تجذب الاستثمارات بقيمة سوقية إجمالية تبلغ 240 مليار دولار، في مختلف القطاعات من التجارة الإلكترونية وتكنولوجيا الخدمات المالية إلى التعليم واللوجيستيات وتوصيل الطعام للمنازل.

ويقول كيرشنان جانيش رائد الأعمال الهندي الذي يروج الشركات التي تجذب مستثمرين مثل سيكويا كابيتال ولايت سبيد فينشر بارتنرز وكوالكوم فينشرز إن “المستثمرين العالميين يرصدون صعود السوق الهندية الضخمة التي لم يتم استغلال كل إمكانياتها، و تضاعف التدفقات المالية بنحو 10 مرات”.

ورغم ذلك فالصورة ليست براقة تماماً، وهناك عقبات تحد من انطلاق هذا القطاع في الهند وبخاصة القيود التي تفرضها حكومة رئيس الوزراء الهندي نارنيندرا مودي على شركات تجارة التجزئة الأجنبية وشبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات البث المباشر، ومن المتوقع أن تطرح الحكومة مشروع قانون لتنظيم ملكية وتخزين بيانات مستخدمي الإنترنت خلال الدورة البرلمانية الحالي والذي يمكن أن يفرض قيودا على طرق تداول معلومات المستخدمين.

وفي الوقت نفسه، فإن بعض المحللين يرون أن ما يحدث في أسواق الأسهم الحالية مجرد فقاعة ستنفجر قريباً، لأن القيمة السوقية للعديد من الشركات تتجاوز القيمة الحقيقية لها، ويحذر الخبراء المستثمرين الأفراد الذين يستثمرون أموالهم في شركات العهد الجديد والتي لم تحقق أرباحا حالياً، بأنهم يحتاجون إلى ما هو أكثر من المعايير التقليدية مثل معدل ربحية السهم، من أجل تقييم عوامل مثل الاستثمار في بناء ولاء العملاء مع نمو حجم الشركات الناشئة.

زر الذهاب إلى الأعلى