محلي

تحذير للعراقيين.. خبراء الصحة يتخوفون من هذا الصيف

تميز فصل الصيف في العراق بظهور الكثير من الأمراض الانتقالية عن طريق العدوى سواء من شخص مُصاب إلى آخر سليم، أو العدوى عن طريق مواد تُسبب الإصابة، ما يتطلب من السلطات الصحية في البلاد اتخاذ الاحتياطات كافة لعدم حصول تفشٍ جديد للأوبئة، ومن أبرزها الكوليرا التي سجلت إصابات فيها الصيف الماضي.

ويعد فصل الصيف الجاف المرافق لارتفاع درجة الحرارة وارتفاع نسب التبخر، فرصة لانتشار الأوبئة والأمراض المائية والمجتمعية بشكل أكبر، بينما يكون فصل الشتاء البارد أقل حدّة من انتشار هذا النوع من الأوبئة.

لكن هذا لا يعني اقتصار انتشار الأمراض على فصل دون آخر، لكن تختلف نوعية الوباء والمرض المنتشر ومسبباته وطرق السيطرة عليه تبعاً لنوع الوباء وفصل الانتشار، بحسب مختصين.

وعادة ما تكون واحداً من الأسباب الرئيسية لانتشار الأمراض الانتقالية أو الأمراض الموسمية هو التغيّر في درجات الحرارة وارتفاعها.

ويعاني العراق من التغير المناخي العالمي الذي قد يؤدي إلى صعوبة في التعامل مع الأجواء الحارة والرطبة، وفي الوقت نفسه قد يُسبب هذا التغيّر مشاكل صحية للمواطن العراقي، وهذا ما تمت ملاحظته خلال السنوات القليلة الماضية من تكاثر مجموعة من الأمراض المصاحبة لارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف، وفقاً للمختصين.

أمراض تنفسية وجلدية وهضمية

تندرج الأمراض الانتقالية خلال فصل الصيف ضمن ثلاثة أجهزة لجسم الإنسان (التنفسي، الجلدي، الهضمي) بحسب أستاذ المناعة والأحياء المجهرية الطبية، البروفيسور أحمد رشدي الدركزلي، الذي يوضح  في حديث صحفي اطلعت عليه “تقدم” أن هذه الأمراض كما يلي:-

أولاً: أمراض الجهاز التنفسي، حيث عادة ما يلاحظ في الصيف ازدياد الإصابات في الجهاز التنفسي بسبب الانتقال من الأجواء شديدة الحرارة إلى الأجواء الباردة، خاصة من خارج البيت إلى داخله، وتكثر هذه الإصابات عند الأطفال بشكل خاص وعند الكبار بشكل عام.

ثانياً: الأمراض الجلدية، عادة ما تُصاحب الأمراض الجلدية ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة ونوعية الملبس في ظل الأجواء الحارة التي تصل إلى أكثر من 50 درجة مئوية.

ثالثاً: أمراض الجهاز الهضمي، ويعود سببها في العادة إلى تناول الأطعمة والمشروبات خارج البيت التي قد تكون مكشوفة ومعرّضة لارتفاع درجات الحرارة العالية، مما قد يؤدي إلى حدوث أمراض في الجهاز الهضمي، منها الإصابة بالتسمّم الغذائي.

ومن أشهر الأمراض الوبائية المشهورة في العراق خلال فصل الصيف هو “التيفوئيد”، أو ما يسمى بـ”ضربة الشمس”، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، وفق الدركزلي.

وينبه الدركزلي في ختام حديثه إلى أن “التغيّر المناخي صاحب تغيّر في سلوك المسبّبات المرضية وجيناتها، حيث أصبحت درجة العدوى أقوى والعلامات السريرية أشد على المُضيف (الإنسان) بسبب هذه التغيّرات المناخية.

 

الأمراض الانتقالية

يعد الكوليرا، من أهم الأمراض الانتقالية في العراق، وهو مرض ينتقل عن طريق تناول الأطعمة المكشوفة والمياه الملوثة، ويتسبب بإسهال مائي شديد يؤدي إلى الجفاف وفي بعض الحالات إلى توقف الكلى والوفاة، وفق مدير قسم تعزيز الصحة في وزارة الصحة د.هيثم العبيدي.

ومن الأمراض الانتقالية الأخرى يُضيف العبيدي  في حديث صحفي اطلعت عليه “تقدم” ، هي “التسمم الغذائي الفيروسي والبكتيري، وكذلك الأمراض الانتقالية التي تؤدي إلى التهابات تنفسية حادّة، التي قد تؤدي إلى التهاب ذات السحايا أو التهاب الدماغ أو غيرها من الأمراض التي تُصيب الأطفال أو المرضى ضعيفي المناعة”.

 

ويتابع، “ومن الأمراض الانتقالية أيضاً هي التي تنتقل عن طريق السباحة في البرك والمياه الملوّثة، مثل مرض البلهارسيا وغيرها من الأمراض التي تنتقل إلى جسم الإنسان عن طريق وجود خدش او جرح في الجلد، وتذهب إلى الدورة الدموية وتؤدي إلى إصابة الانسان بهذه الأمراض”.

تأثير الوضع البيئي والمائي

واحدة من مخاطر تردي الوضع البيئي بصورة عامة والمائي على وجه الخصوص، هي انتشار الأمراض الوبائية سريعة الانتقال، وتزايد نشاط نواقل الأمراض الأخرى.

وتعددت سنوات اجتياح الاوبئة في العراق على فترات زمنية متقطعة، وكانت ترتبط بمواسم ارتفاع التلوث البيئي المقترن مع مواسم الجفاف المائي.

حيث انتشرت أمراض مثل الكوليرا والنكاف والانفلونزا بأشكال مُختلفة في مناطق الفرات الأوسط وجنوب العراق بسبب سوء نوعية المياه الواصلة لمناطق جنوب البلاد، وارتفاع تركيز الملوّثات، واختلاط مياه الصرف الصحي مع مياه المجاري المائية في أوقات نقصان المناسيب المائية، ما أدى إلى نشوء بيئة ملائمة لبروز وتطور الأوبئة المائية وانتقالها بصورة مباشرة إلى الإنسان، فضلاً عن خلق بيئة ملائمة لاستيطان نواقل الأمراض كالبعوض والذباب التي دائماً ما كانت سبباً في انتشار مرض النكاف في محافظتي ميسان وذي قار، بحسب الخبير البيئي وعضو الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة IUCN، أيمن هيثم قدوري.

ويُبيّن قدوري  في حديث صحفي اطلعت عليه “تقدم” ، أن “الطريق الآخر لانتقال هذه الأمراض والأوبئة إلى الإنسان، يكون بطريقة غير مباشرة عن طريق الحيوانات والنباتات، وهذا الأمر شائع في الوقت الحالي في محافظة ميسان، إذ تعرضت الكثير من قطعان الجاموس للإصابة بالأمراض كالحمّى القلاعية”.

وعن تلوّث الهواء، يوضّح أن “الهواء الملوّث ينقل العديد من المركبات الخطرة المسببة لأمراض الرئة ومنها سرطان الرئة، خصوصاً الهواء المحمل بجزيئات PM2.5 (وهي مجموعة من مواد دقيقة لا تُرى بالعين المجردة ولا يتجاوز قطرها 2.5 ميكرون، يستنشقها الإنسان وتسبب التهابات الرئة والتهابات المعدة، واستمرار التعرض لها يؤدي إلى تفاقم الإصابة والوصول إلى التهابات الأوعية الدموية ومن ثم الإصابة بالسرطان، وأبرز مكونات PM2.5 هي الأمونيا والكربون والنحاس والرصاص والكاديميوم والنيتريت)”.

مناطق خصبة للتكاثر البكتيري والفطري والحشري

يقول الخبير في مجال البيئة، أحمد صالح، إن “العراق يتعرض بين فترة وأخرى إلى انتشار أنواعاً مُختلفة من الأوبئة، منها نتيجة عدم المكافحة، ومنها الطبيعي الذي ينشط في فترات الخريف والربيع، كونها مواسم رطبة ودافئة نسبياً، وتعد المناطق الرطبة أو المائية الراكدة من أخصب المناطق للتكاثر البكتيري والفطري والحشري أيضاً”.

ويضيف صالح،  في حديث صحفي اطلعت عليه “تقدم” ، أن “ثمة أوبئة محلية موسمية أو فصلية، وأيضاً أخرى وافدة جديدة ترصد أحياناً قبل انتشارها، وأحياناً تكون خارج السيطرة، ومنها أوبئة تُصيب الإنسان وأخرى انتقالية ما بين الحيوان والإنسان، ومنها آفات زراعية”.

وتسببت الشحة المائية التي تضرب العراق والتي تعد من الأقسى منذ نحو قرن بحسب مختصين، بارتفاع نسب الإصابات بأمراض مُختلفة، نتيجة إلقاء مؤسسات حكومية وأهلية مواداً ملوّثة وسامة والمياه الثقيلة (المجاري) في الأنهار، وصعوبة معالجتها بالطرق السابقة من خلال استخدام اطلاقات مائية إضافية من الخزين الاستراتيجي لتخفيف تركيز الملوّثات ودفعها بعيداً.

ويعاني العراق من شحة مائية تفاقمت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بسبب قلّة الأمطار وتراجع الإيرادات الواردة من دول الجوار المائي، حتى بات يستلم أقل من 30% من استحقاقاته الطبيعية، هو ما انعكس على صحة الإنسان والحيوان وحتى النبات، بحسب المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، د.خالد شمال.

ويضيف شمال في حديث سابق ، أن “هناك مؤسسات حكومية وقطاع خاص ترتبط بأمانة بغداد، وبدوائر البلدية، وبوزارات الكهرباء والنفط والصحة والبيئة والصناعة وغيرها، وهذه جميعها تلقي بالملوثات والفضلات بأنواعها السائلة أو الصلبة أو ذات الطبيعة الكيميائية أو البيولوجية أو المشتركة، على عمودي نهري دجلة والفرات”.

ويبيّن، أن “إلقاء الملوّثات قسم منها يتم بشكل مباشر وهم المتجاوزين، وقسم آخر يتم من خلال محطات معالجة، وهذه المعالجة غير مكتملة أو غير مؤهلة وكافية لمعالجة المياه، ما يتسبب بزيادة تراكيز الملوثات والمواد السمية والعناصر الضارة على الإنسان والبيئة”.

صعوبة استخدام الطرق القديمة

في السابق، كانت وزارة الموارد المائية تُعالج الموقف عبر إطلاقات إضافية من الخزين الاستراتيجي أو من الإيرادات المتحققة، بتعزيز المياه في نهر دجلة أو نهر الفرات أو الأنهر الأخرى كديالى، لتخفيف نسبة تركيز الملوثات والدفع بها بعيداً، وفق شمال، الذي أشار إلى أن “هذا الإجراء حالياً صعب تحقيقه لسبب بسيط، وهو قلّة الخزين الإستراتيجي، فلا يمكن الضغط على الخزين باتجاه هكذا أعمال لكونه في موقف حرج جداً”.

ويدعو المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، جميع الإدارات المعنية بالمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص المشمولة بهذا الجانب، والتي لديها تصريف فضلات أو مياه إلى عمودي نهري دجلة والفرات، أو نهر ديالى أو غيره، أو أي ممر أو مجرى مائي عراقي، إلى “الابتعاد عن هذا الأمر، والارتقاء بالشرف المهني والوظيفي، والحفاظ على الممرات المائية من الملوّثات، وتأهيل وتطوير محطات المعالجة المرتبطة بها”.

زر الذهاب إلى الأعلى