محلي

“مصير غامض” لسكان جرف الصخر بعد 9 أعوام على التحرير

على الرغم من استعادة ناحية جرف الصخر “جرف النصر” من تنظيم القاعدة، أواخر تشرين الأول 2014، إلا أن أعداداً كبيرة من ساكنيها لا يزالون يُمنعون من العودة إليها لأسباب أمنية احترازية كما يعزوها مختصون ومراقبون، وبينما استبعدوا إنهاء ملفها قريباً، أشاروا إلى ضرورة إبعادها عن المزايدات والمساومات السياسية.

وتقع ناحية جرف الصخر والتي تم تبديل اسمها إلى “جرف النصر”، بعد هزيمة داعش، شمال محافظة بابل، وتبعد حوالي 60 كم جنوب غرب بغداد، وشمال مدينة المسيب على بعد 13 كم، وتبلغ مساحتها 50 كم مربعاً، ويسكنها نحو 140 ألف نسمة، وأغلبهم من قبيلة الجنابيين من الفلاحين العاملين بالزراعة.

وتكتسب الناحية الصغيرة أهمية استراتيجية بالغة، نظراً لطبيعتها الجغرافية الصعبة، وموقعها المهم الذي يربط بين المحافظات الغربية والوسطى والجنوبية.

وكان تنظيم “داعش” قد سيطر على جرف الصخر عام 2014، ما دفع غالبية سكان الناحية للفرار منها صوب مناطق أكثر أمناً.

ورغم استعادة الناحية بعد أشهر قليلة من قبضة التنظيم، إلا القوات التي تسيطر على المنطقة تمنع عودة السكان إلى منازلها، وهي في الغالب من فصائل الحشد الشعبي، حتى باتت تعرف بأنها إحدى المناطق منزوعة السكان.

ويبلغ أعداد نازحي جرف الصخر أكثر من 7500 عائلة، بحسب ما مسجل في قاعدة بيانات وزارة الهجرة والمهجرين، وفق المتحدث باسم الوزارة، علي جيهانغير، مُبيناً  في حديث صحفي اطلعت عليه “تقدم” ، أن “البرنامج الحكومي في الفقرة الثامنة نص صراحة على موضوع جرف الصخر، وهناك جهد تقوم به وزيرة الهجرة بالتواصل مع أصحاب الشأن والقرار، ونأمل خلال الفترة المقبلة عودتهم إلى مناطقهم”.

منطقة عسكرية

كانت جرف النصر مكاناً لـ”انطلاق السيارات المفخخة، بسبب مجاورتها للمدن التي كانت – في حينها – تحت سيطرة القاعدة ومن ثم داعش، وخلال عمليات تحريرها ولشدة القصف والمعارك نزحت منها عوائل كثيرة حتى تحوّلت الناحية إلى منطقة عسكرية”، وفق النائب عن محافظة بابل، حسين السعبري.

ويوضح السعبري  في حديث صحفي اطلعت عليه “تقدم” ، أن “جزءاً من هذه العوائل عادت إلى الناحية، بعد تزكيتهم والتأكد من عدم تلطخ أيديهم بدماء العراقيين، أما الجزء الباقي منهم، فهم في طور تدقيق المعلومات الأمنية”.

يذكر أن مجلس محافظة بابل، صوت في عام 2017، بالأغلبية على قرار يقضي بإقامة دعاوى قضائية ضد أي جهة حزبية أو سياسية تطالب بعودة نازحي جرف الصخر، في حين كشف النائب عن المحافظة “وقتها” فلاح عبدالكريم، صدور أكثر من خمسة آلاف مذكرة قبض بحق أشخاص بجرف الصخر بتهم الانتماء لتنظيم داعش، وجرائم مختلفة أخرى.

وتعجز حكومات بغداد المتعاقبة عن التدخل في ملف جرف الصخر، في وقت يطالب عدة من السياسيين السنة باستعادة الناحية من قوات الحشد الشعبي التي يقولون أنه يُسيطر عليها ويمنع الاهالي من العودة إلى مناطقهم، فيما تؤكد قيادات الحشد أن من عليهم مؤشرات أمنية هم فقط الذين ما زالوا يسكنون المخيمات.

وآخر تلك المطالبات تصريح أدلى به رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر قبل أيام ذكر فيه “سنصلي في الجرف قريباً” في إشارة إلى عودة السنة النازحين إلى تلك المنطقة.

رفض لاستغلالها سياسياً

وفي هذا السياق يقول النائب، ياسين العيثاوي، إن “قضية جرف الصخر إنسانية قبل أن تكون سياسية، أو تُغلّف بغطاء سياسي، أو محاولة استغلال القضية من قبل الآخرين في سبيل ترويج أو تمرير موقف ما”.

ويضيف العيثاوي  في حديث صحفي اطلعت عليه “تقدم” ، أن “القضية الإنسانية غير خاضعة للمزايدات والمساومات السياسية، وعلى الحكومة اتخاذ إجراءات جدّية لإرجاع العوائل النازحة بعد تدقيقهم أمنياً، أما استغلال الملف سياسياً فهذا مرفوض”.

ويتفق مع ما طرحه ياسين العيثاوي، المحلل السياسي، سعد المطلبي، حول ضرورة عدم استغلال أهالي جرف الصخر لأهداف سياسية، وتحويل منطقتهم إلى شعار انتخابي، مؤكداً أن “المنطقة قضيتها قانونية وإدارية وأمنية بالدرجة الأولى، لذلك يجب عدم إدخالها في المسارات السياسية”.

ويوضح المطلبي  في حديث صحفي اطلعت عليه “تقدم” أن “المنطقة يجب أن تُنظم بشكل آخر كي يُسمح لها أن تعيش حياة طبيعية، أو تكون هناك إرادة سياسية مُتفق عليها لإعادة هذه المنطقة بشكل أو بآخر للحياة المدنية، وإبعاد الإرهاب عنها”.

تدويل قضية الجرف

يؤكد الباحث بالشأن السياسي، عبد القادر النايل، أن “ناحية جرف الصخر التي يقطنها 150 ألف من المكون السني وأغلبهم من عشيرة الجنابيين، تتعرض إلى عملية تهجير قسّري مُدان في القانون العراقي والدولي، ويعتبر جريمة تطهير عرقي وإبادة جماعية على يد أطراف خارجية وداخلية تتربح من أراضي النازحين من خلال زراعة المخدرات فيها”.

ويشير النايل  في حديث صحفي اطلعت عليه “تقدم” ، إلى أن “إدعاء وجود بعض الشخصيات المطلوبة للقضاء فيها لا يعطي الحق بمعاقبة مدن بكاملها وتفريغها من سكانها، وهذا الإجراء لم يقتصر على جرف الصخر فقط، وإنما في عزيز بلد ويثرب ومجمع الفوسفات والعويسات في الأنبار، كما في مدن الموصل والمقدادية وديالى أيضاً، فهذا تغيير ديمغرافي يجب عدم السكوت عنه”.

ويدعو النايل، ” إلى تدويل قضية جرف الصخر ومطالبة مجلس الأمن الدولي بإنزال قوات اليونيفيل الحيادية فيها، لكشف ما يجري في الناحية وبسط السيطرة عليها تمهيداً لعودة النازحين إليها، بعد تشكيل قوات أمنية من سكانها أشبه بشرطة محلية تتحمل مسؤولية الدفاع عن المدينة وأهلها”.

زر الذهاب إلى الأعلى