أصدرت الأمم المتحدة، يوم الأربعاء، تقريراً جديداً عن ضرورة إنهاء “موجات الاختفاء” التي طالت نحو مليون عراقي خلال العقود الخمسة الماضية، والتي وصفتها بأنها بمثابة “جرائم نكراء” وحثت على وضع تشريعات لمواجهتها.
وكانت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري، قد زارت العراق في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وأصدرت تقريرها الجديد، إذ حدد خمس “موجات اختفاء”، ويغطي الفترة التي بدأت من حقبة البعث 1968-2003، وصولاً إلى الاحتجاجات المعارضة للحكومة 2018 – 2020.
وتتألف اللجنة من 10 خبراء حقوقيين دوليين مهمتهم مراقبة تطبيق الاتفاقية الدولية لمناهضة الاختفاء القسري، حيث أعربوا عن قلقهم العميق من انتشار الاختفاء القسري على مدى فترات مختلفة، ومن اتساع الافلات من العقاب، مشيرين إلى أن “العراق هو من بين أوائل الدول التي صادقت على الاتفاقية، إلا أنه “ما يزال هناك الكثير الذي يتحتم القيام به”.
وتناول التقرير الأممي، أنماطاً اختفاء عدة، من بينها خلال العبور على الحواجز الأمنية، أو عمليات الخطف لأطفال، خصوصاً من الأقلية الإيزيدية الذين ولدوا بعد تعرض أمهاتهم لاعتداء جنسي في المعسكرات التي أدراها تنظيم داعش الإرهابي.
وبحسب اللجنة، فإن في بعض الحالات اضطرت الامهات الى ترك أطفالهن في مراكز الايتام بعد عودتهن الى العراق على اساس ان يصطحبوهم الى منازلهن في وقت ما، لكن عندما ذهبن للمطالبة بهم، قيل للامهات ان اطفالهن قد جرى “تسليمهم” الى عائلة اخرى، وذلك وسط مزاعم بتورط مباشر من بعض موظفي الدولة.
ونقل التقرير عن اللجنة قولها أيضاً، أن “مئات العائلات ما زالت تبحث عن أقارب تشتبه في وجودهم في مخيمات في تركيا أو سوريا أو إيران حيث الاتصال بالعالم الخارجي مستحيل”.
خمس موجات
وبعد عقود من الصراع والعنف السياسي، حدد الخبراء حالات الاختفاء، بما في ذلك الاختفاء القسري، على أنها “مشكلة لها أبعاد هائلة في العراق”، حيث تشير التقديرات الرسمية الى انه منذ العام 1968، اختفى ما بين 250 ألف شخص إلى مليون، بينما من المستحيل تقديم أرقام دقيقة أكثر.
البعث وصدام
وذكر التقرير الأممي، أن “خلال حقبة البعث، اختفى في العراق وإقليم كوردستان نحو 290 ألف شخص، من بينهم حوالي 100 ألف كوردي، كجزء من حملة الإبادة الجماعية التي شنها صدام حسين في إقليم كوردستان.
الاحتلال الأمريكي
أما الموجة الثانية من حالات الاختفاء، تغطي مرحلة غزو العراق عام 2003، وما تلاه من احتلال، إلى فترة ما قبل داعش.
وخلال تلك المرحلة، أسر الجيش الأمريكي وحلفاؤه، ما لا يقل عن 200 الف عراقي، ومن ضمن هذا العدد جرى احتجاز 96 ألف شخص في مرحلة ما في السجون التي تديرها الولايات المتحدة أو بريطانيا.
وبحسب اللجنة الأممية، فهناك مزاعم بأن “معتقلين اعتقلوا من دون أمر قضائي لتورطهم في عمليات تمرد، بينما كان آخرون، من المدنيين في المكان والزمان الخطأ”.
مرحلة داعش
ووثق التقرير الأممي، كيف أن إعلان داعش عن الخلافة، بما في ذلك مساحات شاسعة من العراق، شهد محطات جديدة من عمليات الخطف والقتل الجماعي للجنود العراقيين أو قوات الأمن ما بين 2014 إلى 2017.
وأشار إلى أن “الوضع تدهور بشكل اكبر عندما نفذت قوات الحشد الشعبي عمليات عسكرية لاستعادة المدن الكبرى من الارهابيين، حيث اختفى الاف من العرب السنة، غالبيتهم من الرجال والفتيان.
احتجاجات تشرين
أما الموجة الأخيرة من حالات الاختفاء القسري، فقد لفت إليها التقرير بأنها وقعت خلال موجة التظاهرات في العراق من 2018 إلى 2020، عندما نزل الآلاف إلى الشوارع احتجاجا على الفساد.
وبناء على ما تقدم، حثت اللجنة الأممية، الحكومة العراقية على تشديد التعامل مع جرائم الاختفاء القسري، ووضع استراتيجية شاملة للبحث والتحقيق في جميع حالات الاختفاء، وتوسيع نطاق تحقيقات الطب الشرعي.
ووفقاً للتقرير الأممي، فعلى العراق أن يشكل على الفور فرقة عمل مستقلة للتدقيق بشكل منهجي في سجلات جميع أماكن الاحتجاز مع أسماء جميع المعتقلين، وإبلاغ أقاربهم بمكان وجودهم، إضافة إلى اتخاذ تدابير تشريعية وقضائية لتلبية احتياجات الضحايا وحقوقهم.
وطالبت الأمم المتحدة في تقريرها العراق بـ”توضيح المزاعم المستمرة بشأن الاعتقال السري”، وهو ما تنفيه السلطات، لافتة إلى أن ذلك “يحتم انشاء لجنة مستقلة تقوم بمهمة لتقصي الحقائق للتحقق من وجود أماكن احتجاز سرية”.