دوليمحلي

مرصد ينتقد حملة مكافحة “المحتوى الهابط” ويخشى استخدامها للتصفيات السياسية

أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، يوم الأربعاء، عن قلقه إزاء الاعتقالات والأحكام بالسجن التي صدرت بحق عدد من صنّاع المحتوى العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي ضمن حملة مكافحة “المحتوى الهابط”.

وقال المرصد الأورومتوسطي في بيان ، إنّ “القضاء العراقي أصدر أحكامًا بالسجن بحق ستة من صانعي المحتوى لمدد تراوحت بين ستة أشهر وسنتين، إلى جانب التحقيق مع ثمانية آخرين على خلفية ادعاءات تتعلق بالإخلال بالحياء والآداب العامة وإفساد الأخلاق”.

ولفت إلى أنّ وزارة الداخلية العراقية أطلقت في 10 كانون الثاني/ يناير الماضي منصة “بلّغ” الإلكترونية المخصصة لتلقي البلاغات عن المحتوى الذي تعتقد الوزارة أنّه “يحمل إساءة للذوق العام ورسائل سلبية تخدش الحياء وتزعزع الاستقرار المجتمعي”.

وأشار إلى أنه في 16 كانون الثاني/ يناير الماضي، أعلنت وزارة الداخلية عن تشكيل لجنة “لمتابعة المحتويات في مواقع التواصل ومعالجة الهابط منها وتقديم صانعيها للعدالة”، مبينة أنّ “القضاء دعم مقترحات الأجهزة الأمنية” في هذا الشأن.

وفي مؤتمر صحفي قبل يومين، قالت وزارة الداخلية العراقية إنّها تلقّت نحو 96 ألف تبليغ في إطار “مكافحة المحتوى الهابط”.

وفي مقابلة مع الوكالة  الرسمية، قال قاضي محكمة تحقيق الكرخ الثالثة المختص بقضايا النشر والإعلام عامر حسن، إنّ المحكمة تتعاون مع وزارة الداخلية التي تتولى “رصد الحالات المخالفة” من خلال منصة “بلغ”، ومن ثم يتم عرضها على محكمة تحقيق الكرخ المختصة بقضايا النشر والإعلام.

وبموجب تلك الآلية، أصدرت محكمة جنح الكرخ حكمين؛ الأول يقضي بحبس صانع المحتوى على موقع يوتيوب “حسن صجمة” لعامين، والثاني يقضي بحبس صانعة المحتوى “غفران سوادي” المشهورة باسم “أم فهد” على موقع “تيك توك” بالحبس لمدة ستة أشهر بعد إدانتهما “بنشر عدة أفلام وفيديوهات تتضمن أقوالًا فاحشة ومخلة بالحياء والآداب العامة وعرضها على الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.

وراجع فريق المرصد الأورومتوسطي المحتوى الذي يقدّمه “صجمة” و”سوادي”، ولم يجد ما يبرر إدانتهما في التهمة المنسوبة إليهما، وبدا أنّ المحتوى الذي كانا يقدمانه –على نحو منفصل- لا يتعدى حدود حقوقهما المحمية بموجب الدستور، لا سيما الحق في حرية الرأي والتعبير والنشر.

وأشار المرصد إلى أنّ “صجمة” كان ينشط كمذيع شارع، ويجري مقابلات ميدانية مع الأشخاص تحمل أسئلة ذات طابع شخصي، بينما كانت “أم فهد” تنشر مقاطع فيديو تصوّر فيها حياتها اليومية ونشاطاتها الشخصية.

ولفت إلى أنّ “صجمة” أعلن في 5 كانون الثاني/ يناير الماضي -قبل بدء الحملة الحكومية- حذف جميع الفيديوهات التي أعدّها ونشرها سابقًا استجابة لمتابعيه الذين طالبوه بتغيير المحتوى، لكنّ ذلك لم يمنع السلطات القضائية من إدانته، على الرغم من أنّ القاضي محكمة الكرخ قال في تصريحاته “نشجع على خطوة الاعتذار وحذف المحتوى المسيء وندعو المدونين كافة، وما يصطلح على تسميتهم المشاهير بأن يقوموا بحملة مراجعة لمحتواهم، ومحاولة حذف المحتوى المسيء للأخلاق، والمحتوى المخل بالحياء العام”.

وبيّن أنّه حتى في حال أصرّت السلطات على تصنيف ذلك المحتوى على أنّه “مخل بالآداب العامة”، فإنّ الأحكام الصادرة بحق المُدانيْن تشوبها اعتلالات قانونية، إذ تستند إلى المادة 403 من قانون العقوبات العراقي والتي نصت على “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي دينار او بإحدى هاتين العقوبتين كل من صنع أو استورد أو صدر أو حاز أو أحرز أو نقل بقصد الاستغلال أو التوزيع كتابًا أو مطبوعات أو كتابات أخرى أو رسومًا أو صورًا أو أفلامًا أو رموزًا أو غير ذلك من الأشياء إذا كانت مخلة بالحياء او الآداب العامة. ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من أعلن عن شيء من ذلك أو عرضه على أنظار الجمهور أو باعه أو أجره أو عرضه للبيع أو الإيجار ولو في غير علانية. وكل من وزعه أو سلمه للتوزيع بأية وسيلة كانت. ويعتبر ظرفا مشددا إذا ارتكبت الجريمة بقصد إفساد الأخلاق”.

وقال الباحث لدى المرصد الأورومتوسطي عمر العجلوني، إنّ “المادة 403 من قانون العقوبات العراقي لم تتطرق للنشر الإلكتروني من حيث الأصل وحددّت على سبيل الحصر صور الأفعال المشكلة لهذه الجريمة، وهي مادة شرُعّت عام 1969 ولم يجر تحديثها من ذلك الوقت”.

وأضاف “إذا ما تمعّنا في نص المادة نفسها نجد أنّها تستند في تجريم تلك السلوكيات إلى ألفاظ فضفاضة مثل الإخلال بالحياء والآداب العامة وإفساد الأخلاق، وهي مصطلحات عامة وقد يختلف تقديرها وتفسيرها على نحو كبير وفق اختلاف العوامل والظروف”.

وإلى جانب ذلك، لا يقوم تشكيل منصة “بلّغ” على أساس قانوني سليم، إذ إنّ المادة 403 التي استُند إليها في تشكيل المنصة لم تتطرق إلى المحتوى الالكتروني ولا إلى الرقابة عليه.

وعبّر المرصد الأورومتوسطي عن خشيته من أن تمتد هذه الحملة إلى تقييد الحريات العامة في البلاد، وتجريم انتقاد الأفراد للمسؤولين أو مؤسسات الدولة، وشرعنة محاكمة النشطاء السياسيين، خصوصًا مع توجيه رئيس مجلس القضاء الأعلى –في وقت سابق من هذا الشهر- الجهات القضائية إلى ضرورة “اتخاذ الإجراءات القانونية المشددة بحق كل ما ينشر محتويات تسيء للذوق العام وتشكل ممارسات غير أخلاقية إضافة إلى الإساءة المتعمدة وبما يخالف القانون للمواطنين ومؤسسات الدولة بمختلف العناوين والمسميات؛ وبما يضمن تحقق الردع العام”.

وأكّد أنّ الحملة الحكومية على المحتوى الإلكتروني وطريقة التبليغ المعتمدة فيها قد تعزز مفهوم الرقابة الذاتية السلبي لدى العراقيين، وتبقيهم في قلق وخشية دائمين من إمكانية ملاحقتهم بسبب مشاركتهم لآرائهم في الشؤون العامة، عدا عن احتمالية استخدام تبليغات المحتوى لتصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين، خصوصًا بعد أن امتدت الحملة لتشمل “الإساءة لمؤسسات الدولة”.

ودعا المرصد السلطات العراقية إلى إلغاء جميع أحكام السجن التي صدرت بحق صانعي المحتوى الإلكتروني، والتوقف عن ملاحقتهم وتقييد حرياتهم على نحو غير مبرر، وعدم استخدام القانون لمصادرة الحقوق المكفولة للأفراد.

وحث المرصد الأورومتوسطي السلطات العراقية على احترام حق الأفراد في حرية الرأي والتعبير والنشر، والامتناع عن اتخاذ أي إجراء قد يقوض حريّاتهم، ويجرّم ممارستهم لحقوق الطبيعية.

زر الذهاب إلى الأعلى