ارتبط الدهن الحر بحكايات طريفة في حياة البغداديين، ابتداء من العصر الملكي وحتى اللحظة، فيما يتمتع هذا النوع من السمن، بمكانة خاصة لدى بعض العراقيين وعلى مستويات ضيقة جدًا وذلك بفعل راحئته “الزنخة”.
ولايتواجد الدهن الحر الا في أكلات محدودة جدًا لدى العراقيين، مثل قلي البيض او صبّه فوق أكلة “ثريد الباقلاء” فضلًا عن دخوله بأكلة التمر المقلي الذي يسمى محليًا بـ”الحنيني” في بعض المناطق العراقية ولاسيما المناطق الغربية.
والدهن الحر هو “زبدة الحليب” ويختلف عن الزبدة النباتية بأن الأخيرة معالجة كيميائيًا للتخلص من الرائحة الزنخة التي يتمتع بها الدهن الحر.
ورغم فائدته المتداولة في الاوساط الشعبية، إلا ان الدراسات العلميّة لاتتحدث عن منفعته بشكل كبير، بل تصفه بأنه “غير ضار” ولكن بشكل مشروط، حيث أن الاكثار منه سيتسبب بأضرار كبيرة.
يصف خبير التغذية الدكتور ليث الصالحي زبدة الحليب “الدهن الحر”، بأنها زبدة طبيعية تحتوي على الكوليسترول الذي يمتاز بكونه غير ضار لأن الأمعاء تمتص أقل من 40% منه وتقوم بتحويله الى أحماض دهنية، وهو مصدر غني بفيتامين D، مبينًا أن الزبدة النباتية (السمن النباتي) فهي دهون معالجة كيميائيا للتخلص من الرائحة الزنخة، تصل نسبة امتصاصها من الأمعاء حوالي 90% لذلك تزيد نسبة الدهون الضارة في الدم.
واشار الى ان بكل الأحوال فالضرر من زبدة الحليب او الزبدة النباتية، يكون مشروطًا بالكمية.
ولا ينتشر الدهن الحر كثيرًا في بيوت العراقيين واكله نادر ويقتصر أحيانًا على المناطق الريفية.
ومن المواقف الطريفة التي ارتبطت بالدهن الحر، كما ترسد إحدى القصص الشعبية المتداولة عن “القفاصة” في الزمن الملكي، والمنسوبة لشخص يدعى الحاج ستار والذي كان يعمل حارساً في المقبرة الملكية في الاعظمية في الأربعينيات، انه كان له جار في منطقة الفضل، وفي إحدى الصباحات التي خرج بها الحاج ستار من داره، متوجها إلى عمله وفي الباب نادت “الحجية” زوجته عليه، وقالت بأن ليس لديهم دهن في البيت، فقال لها عندما أصل للمحل أرسل لك الصانع لتعطيه (الجدرية) النحاسية الكبيرة ليرسلها إلى بائع الدهن في الشورجة ليجهزه بحقة دهن.
وفعلا وبعد نصف ساعة دق باب الدار شخص وسلم على “الحجية” وقال لها: أرسلني الحجي على الجدرية لأجلب لكم الدهن ، فقامت “الحجية” وسلمته الجدرية التي كانت من الصفر الخالص النادر، فانصرف الرجل بها إلى دكان بائع الدهن، وقال له: أرسلني الحجي وطلب أن تملي هذه الجدرية بحقتين من الدهن الحر ومن النوع الجيد .
ونفذ طلبه على الفور وملأ الجدرية، وبعد مرور ما يزيد على النصف ساعة من تلك الزيارة جاء الصانع الأصلي الى الحجية وطلب منها الجدرية لملئها بالدهن حسب توصية عمه، فكانت مفاجأة بالنسبة للحجية، فقالت للصانع: “ليش أنت ما أخذت الجدرية قبل شوية؟”
جاء الصانع وابلغ الحجي، فذهب إلى صاحب دكان الدهن، وقال له إن شخصا جاء بالجدرية نفسها والتي يعرفها أنها تعود لكم، وملأها بـ(حقتين من الدهن الحر من النوع الجيد، فدفع الحجي ثمن الدهن وراحت الجدرية!.
الطرافة ليست فيما وقع آنفا، ولكنه بعد حوالي ثلاثة أسابيع دق شخص باب دار الحاج، وحين أجابته الحجية من خلف الباب كما هي العادة ( منو … شتريد؟؟؟)..
فقال لها :خالة حجية .. الحرامي الذي سرق الجدرية والدهن قبضت عليه الشرطة وهو الآن في المركز، وطلب من الحجي أن يحضر للتعرف عليه، وأرسلني يريد العباءة (المارينية والجبسي) حتى يذهب بها إلى المركز.
وقامت الحجية بتسليمه العباءة الفاخرة، ليأخذها كما اخذ الجدرية والدهن الحر.
ومن الطرائف التي التصقت بالدهن الحر، هي إعلان دعائي كانت يعرض في نهاية التسعينات، وتحديدًا في شهر رمضان، لنوع من أنواع “البقلاوة”، حيث يظهر ممثلو الاعلان في لعبة “محيبس” ليقول الممثل: “منين أجيب المحبس، كله دهن حر”، في إشارة إلى مدى تشبع “البقلاوة بالدهن الحر”.
ويرتبط الدهن الحر بحكايات عديدة أخرى مازالت حتى الان ويعرفها ويتداولها العراقيون.