دول الجوار وتغيرات المناخ ..ثغر العراق ورافداه يختنقان
كان لتصريح وزير الموارد المائية الجديد عون ذياب عبد الله حول ما يمكن ان تسببه التغييرات المناخية التي قد تتعرض لها مدينة البصرة في العام 2100 تأثيرا كبيرا وصدى إعلاميا واسعا لفت الأنظار خاصة انه جاء في وقت تعقد فيه اجتماعات ومؤتمرات دولية معنية بدراسة مؤثرات تلك التغييرات على البيئة في العالم اجمع.
الوزير العراقي كشف بما يشبه الصدمة ان تقارير دولية تشير الى ان المتغيرات المناخية سوف تؤدي الى ارتفاع مناسيب مياه الخليج بسبب ذوبان الثلوج في القطبين ما يهدد مدنا مطلة على الخليج بالغرق منها البصرة العراقية بالدرجة الأولى في عام 2100.
موضوع التغيرات المُناخية الناتج عن الاحتباس الحراري العالمي هو موضوع أصبح مدعاة اهتمام المختصين والمنظمات البيئية وحكومات الدول لان تأثيراته السلبية التي بدأت تظهر بوادرها وتنذر بأخطار أوسع لا تقتصر على دوله محددة .
وما يتفق عليه الخبراء ان العراق واحد من البلدان التي تعتبر في مقدمة المتأثرين في التغير المناخي مستقبلا في ناحيتين منها ارتفاع درجات الحرارة واتساع المناخ الصحراوي وانخفاض المساحات الخضراء وشح الامطار ومن ناحية أخرى التوقعات المستقبلية لمدى 100 عام التي نبه لها الوزير وتشير الى احتمالية غرق العديد من المدن الساحلية المنخفضة كالفاو وبعض مناطق البصرة الأخرى بالإضافة الى الاسكندرية شمال مصر وجزر عديدة في المحيطين الاطلسي والهادي.
ناشطون في مجال الدفاع عن البيئة أكدوا ان هناك الان تدهورا كبيرا بالنظم الطبيعية والتنوع البيولوجي في العراق نتيجة شحة المياه وتغير المناخ مما قد يهدد بنزوح الحياة البرية العراقية الاصلية وترك مواطنها الطبيعية او تناقص اعدادها ما يؤدي بالتالي الى انقراضها، بالإضافة طبعا الى ان شحة المواد الغذائية الزراعية وهجرة واسعة للسكان بسبب الجفاف وقلة الموارد في مناطق الاهوار الجنوبية.
البصرة في خطر
الأسباب التي تجعل البصرة واحدة من المدن المهددة عالميا بشكل رئيسي بخطر الغرق هو انخفاض أراضيها حيث يتراوح ارتفاعها ما بين 2.5 م إلى 4.5 م عن مستوى سطح البحر، وقد شهدت البصرة بالفعل ارتفاع مياه البحر قياسا باليابسة خلال القرن العشرين بمعدل تراوح بين 20 – 30 سم بفترات متفاوتة، وهذا المعدل المرتفع يجعلها ضمن أكثر 6 مدن حول العالم عرضة للغمر بمياه البحر بشكل جزئي خلال السنوات العشر القادمة.
ويقول الخبراء ان ارتفاع مستوى سطح البحر لمتر واحد فقط كفيل بغمر أجزاء من محافظة البصرة وبشكل تدريجي يبدأ من القرى والأرياف المطلة على شط العرب، وصولا لمركز المدينة وشمالها، وسيصاحب هذا الغرق حركات نزوح باتجاه المناطق الأكثر ارتفاعا شمالا، مما سيسبب ضغط على مراكز ونواحي المدن خصوصا وأن البصرة ثالث محافظة عراقية من حيث الكثافة السكانية، فضلا عن التغيرات الديموغرافية والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي ستتعرض لها المدن والمحافظات شمال البصرة.
التغير المناخي حقيقة
يقول الدكتور سلطان النصرواي التدريسي في جامعة كربلاء إن التغيرات المناخية حقيقة واقعة والحديث عن هذا الموضوع لم يعد يمثل ترفاً فكرياً وأصبحت تمثل أكبر التحديات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والسياسية في القرن الحادي والعشرين، وهي أزمة مركبة ومعقدة ومتشعبة تتولد من رحمها ازمات انسانية لا حصر لها.
والثابت كما يرى النصراوي ان العراق من أكثر الدول هشاشة في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
وتُشير الاحصاءات الى ارتفاع متوسط درجات الحرارة في العراق بنحو 2 درجة مئوية خلال المدة 1901-2021 وهي اعلى من المتوسط العالمي.
في عام 2021 صادقت الحكومة العراقية على اتفاقية باريس للتغير المناخي وقد حاولت الحصول على تمويل لمواجه التغير المناخي والتخفيف من آثاره كما اعلنت رئاسة الجمهورية عن مشروع أُطلق عليه اسم (مشروع إنعاش بلاد الرافدين) يتكون من محاور عدة منها زراعة 20-30 مليون نخلة خلال عامين وزراعة 1 مليار شجرة بحلول عام 2030 لتعويض خسائر الاشجار في السنوات الماضية.
تتحدث منظمة المناخ الأخضر العراقية حول ما اذا كانت عبارة ان (خامس دولة هشاشة تجاه التغيرات المناخية) حقيقة كما يتداولها الخبراء البيئيون العراقيون؟ وهل الاهوار غير متأثرة بهذا التغير؟
وتشير في هذا الصدد الى تقرير عنوانه ( الهجرة، البيئة، والتغيرات المناخية في العراق) لسنة 2022 الذي أصدرته المنظمة الدولية للهجرة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للهجرة بالتعاون مع الدعم البريطاني والذي سمي فيه العراق “الدولة الخامسة الأكثر هشاشة تجاه الانهيارات المناخية” استنادا الى ما جاء في تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة .
ويذكر التقرير بوضوح تأثير التغيرات المناخية في جفاف الاهوار قائلا إن تأثير التغير المناخي العالمي يتداخل مع الطقس وتأثير مناخي موضعي القياس، بالإضافة إلى استخدامات المياه غير المستدامة وعمليات التحويل، مما يؤدي إلى تأثيرات دراماتيكية مثل انحسار المسطحات المائية مثل (بحيرة تشاد، بحر ارال، واختفاء الأراضي الرطبة مثل بحيرة اورميا في إيران وحتى بحر قزوين والاهوار العراقية”
وهذا يعني بحسب المنظمة ان تأثير التغير المناخي سيؤدي بالتزامن مع الحراجة والشحة المائية في جفاف مساحات واسعة من الاهوار العراقية.
الجاموس، رمز الأهوار العراقية في حالة احتضار
يشير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق الى تراجع أعداد الجاموس في جنوب العراق بسبب الجفاف وشحة المياه حيث تقضي هذه الحيوانات معظم وقتها في هذه الأماكن. وتعتبر هذه الحيوانات المهددة بالخطر إحدى المصادر الرئيسية لكسب العيش في المجتمعات المحلية، ويشكل فقدان الجواميس لموطنها الطبيعي تهديدًا لسبل عيش السكان المحليين.
ويقول المنسق المقيم للأمم المتحدة في العراق، غلام إسحق زي إن العراق في الخطوط الأمامية لأزمة المناخ وأحد أكثر دول العالم عرضة للتغير المناخي، حيث يعاني مواطنوه من الآثار المدمرة لموجات الحر والعواصف الرملية والترابية والفيضانات السريعة والجفاف وتدهور الأراضي والفيضانات، “بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر وندرة المياه” مضيفًا “ستواصل الأمم المتحدة في العراق العمل كل يوم للتأكيد على أن الالتزام بالمناخ يتعلق بالعمل والحلول المنسقة والمشاركة على جميع المستويات”.
يعترض وزير الموارد المائية الأسبق حسن الجنابي على وصف العراق بخامس دولة في العالم من حيث التأثر بالتغير المناخي.، مشيرا الى ان هناك قائمة من الدول التي تتأثر بشدة بثلاثة مظاهر مرتبطة بالتغير المناخي، أي الفيضانات والجفاف وارتفاع مناسيب البحر. الدول العشرة التي تقع في ذيل تلك القائمة (أي الأكثر تأثرا بالتغير المناخي) هي: أفغانستان، وبنغلاديش، وتشاد، وهايتي، وكينيا، وملاوي، والنيجر، والباكستان، والصومال، والسودان.
ويضيف ان هناك قائمة أخرى للدول الأقل قدرةً على مقاومة التغيرات المناخية، اي الأكثر هشاشة في التكيف مع تغيرات المناخ (بمعنى نقص او انعدام القدرات على مواجهة تحديات المناخ الحالية او المستقبلية) وهذه تضم 180 دولة، ترتيب العراق هو 120 في تلك القائمة. بحسب الجنابي.
لكنه يشير أيضا الى نقطة مهمة أخرى وهي ان تجفيف الأهوار “لا علاقة له بالتغير المناخي، فقد كان جريمة النظام السابق بامتياز، والإجراءات التي وصفها بالظالمة التي قامت بها وزارة الموارد المائية في عهد الوزير السابق والتي قطعت المياه عن تلك الاهوار ما أدى الى تجفيف ما تم إنعاشه سابقاً من أهوار الرافدين، في حملة تجفيف “ناعمة” تضمنت قطع المغذيات المائية دون ضجيج.
ويتساءل الجنابي قائلا: كيف يمكن تصديق ان تدهور الوضع المائي والزراعي المقلق هو نتيجة للتغيرات المناخية وليس نتيجة للإجراءات التشغيلية، فضلاً عن “الثقافة المتعالية والعدائية ضد الأراضي الرطبة والمسطحات المائية النابضة بالحياة، والمكتنزة بتنوع أحيائي نادر، والمدرجة باعتبارها إرثاً إنسانياً مؤمناً لدى حكومة وشعب العراق”، ويقصد هنا مناطق الاهوار الجنوبية.
ويذكر الجنابي أن الشحة المائية السائدة حالياً هي ليست اول حالة شحة واجهها العراق، فقد مرت سنوات في السابق كما حصل في أعوام 2001 و2008 و2009 و2018 وقبلها في حوض الفرات في عامي 1974 و1975 مع ذلك لم يتسبب ذلك في تجفيف الأهوار برغم إرادة النظام السابق في التسعينات وما تلاها حتى سقوطه.
وكان رئيس الجمهورية العراقية عبد اللطيف جمال رشيد، قد شكا من إنحسار مياه الأهوار جنوبي البلاد نتيجة قيام تركيا وإيران بتقليص الإطلاقات وقطع بعض الروافد التي تصب في العراق.
كما شدد وزير الموارد المائية العراقية، عون ذياب، على أن برنامج الحكومة الجديدة ركز على “المطالبة الجدية” من دول المنبع “تركيا وإيران” بحصص العراق المائية.
وقال ذياب “نحن بأمس الحاجة إلى زيادة الإطلاقات المائية من قبل تركيا التي لم تقاسمنا الضرر بالمياه بالطريقة التي نجدها مناسبة”.
كما شكت وزارة الموارد المائية، من عدم استجابة دول المنبع الى مخاطباتها بشأن شح المياه والجفاف الذي تعاني منه البلاد.
برغم اختلاف الأرقام والتوصيفات فان تغير المناخ حقيقة واقعة في العراق، وله آثار مدمرة على حياة جميع المواطنين العراقيين، وخاصة الأشد فقراً وضعفاً، والحاجة الملحة للعمل كما يرى صندوق الأمم المتحدة الإنمائي تتخطى جميع الخطوط السياسية والعرقية والاجتماعية والجغرافية.
من أجل ذلك يشارك أكثر من 200 ممثلاً عراقياً عن الحكومة والشباب والمجتمع المدني في مؤتمر الأمم المتحدة السنوي السابع والعشرون حول تغير المناخ، الذي تنظمه الأمم المتحدة في شرم الشيخ في مصر.
يضم الوفد العراقي إلى الدورة 27 لمؤتمر الأطراف في الفترة من 6 إلى 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 ممثلين عن الحكومة والشباب والمجتمع المدني والقطاع الخاص.