يعد احتياطي البلاد من العملة الأجنبية هو الأكبر في تاريخ العراق المالي، ويزيد على 100 مليار دولار، ويشكل بالوقت نفسه المحفظة الاحتياطية المركزية للعراق، وإن جلّ طلب السوق لتمويل المبادلات الخارجية للقطاع الخاص، يتم عبر تلك الاحتياطيات الرسمية، التي تعرضها السلطة النقدية، من خلال منصتها بسعر الصرف الرسمي البالغ 1320 دينار لكل دولار.
أفاد بذلك مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية، مظهر محمد صالح، الذي أشّر طلباً على الدولار النقدي لتمويل عمليات تجارية من سلع محددة جداً، لا تزيد على خمس سلع بالغالب.
وأوضح صالح في حديث صحفي اطلعت عليه “تقدم” ، أن “قوى من داخل السوق، تحاول التبضع بها من خارج الآليات التجارية الرسمية، باللجوء للحصول على الدولار النقدي من السوق الموازية (وهي السوق التي لا تشكل سوى 10 بالمائة من حاجة السوق إلى العملة الأجنبية) لتمويل تجاراتها”.
وأكد أن هذه “تصرفات تجارية غير معترف بها قانوناً لدى الدوائر المالية والتجارية والمصرفية، وتتم لأسباب عديدة، بما في ذلك التهرّب الضريبي أو الكمركي أو السيطرة النوعية”.
وتابع المستشار المالي للسوداني، بالقول، إن “العلّة الأساسية في السيطرة على السوق الموازية، تتمثل بمكافحة النشاطات التجارية غير الشرعية قبل كل شيء”.
حزمة سياسات
وأشار صالح، إلى أن “الدولة تتولى حالياً سياسة الدفاع عن الاستقرار الاقتصادي، ولا سيما في توفير العرض السلعي الكافي بأسعار معتدلة على الدوام، وباتجاهين”.
الأول فهو بحسب صالح، “توفير سلال غذائية ودوائية إضافية ساندة، وسلات بناء وقطع غيار عالية الطلب، وابتياعها بسعر الصرف الرسمي المستقر، من خلال آلية التعاون بين الدولة والقطاع الخاص”.
أما الاتجاه الثاني، فهو “قيام السلطة النقدية باعتماد آليات جديدة، بتوفير عملات أجنبية نقدية سائلة إضافة إلى الدولار (ومن سلّة عملات أجنبية متنوعة)، لسد احتياجات السفر حسب جهة المسافر، ولا سيما للحج والعمرة والسياحة بأوجهها المتنوعة، ولمختلف البلدان المجاورة والبعيدة”، وفق صالح.
وبين، أن “حزمة السياسات آنفاً، تهدف إلى احتواء الضوضاء التي يصدرها المضاربون بالعملة الأجنبية في السوق الموازية، بغية التربّح على حساب الاستقرار الاقتصادي، وإن التوجهات الأساسية في السياسة الاقتصادية تتم عبر عزل تأثيرات السوق الموازية أو السوداء ومحدودية نشاطاتها غير القانونية، عن استقرار المنظومة السعرية الكلية في البلاد”.
تهريب منظم لسببين
من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي، نبيل المرسومي، أن “ما يحصل ليس عملية مضاربة بالدولار الأسود في السوق الموازية والدولار النقدي بهدف جني الأرباح بالاستفادة من تقلبات الأسعار، وإنما عملية تهريب منظمة لدولار المسافرين أو الدولار النقدي، لسببين أساسيين”.
وذكر المرسومي، في حديث صحفي اطلعت عليه “تقدم” ، أن “السبب الأول هو لتسديد بعض السلع المستوردة من الخارج، التي لا تدخل ضمن المنصة الإلكترونية منها (الذهب، المخدرات، المشروبات الروحية، السكائر)”.
وأشار إلى أن “بعض هذه السلع قيمتها كبيرة جداً، إذ يستورد العراق من السكائر بحدود مليار دولار سنوياً، فيما لا تقل قيمة المشروبات الروحية عن ربع مليار دولار سنوياً”.
وعن السبب الثاني لتهريب الدولار، فعزاه الخبير الاقتصادي إلى “الإقبال الشديد على الدولار بالسوق الموازية بسبب الحاجة إلى الدولار من أجل تسوية المبادلات التجارية، أو استيرادات العراق من السلع الإيرانية التي تصل إلى 10 مليارات دولار سنوياً”.
وزاد بالقول: “ذلك لأن إيران وسوريا أيضاً، من الدول المعاقبة أميركياً، لذلك لا يمكن تسوية المعاملات التجارية معهما من خلال الحوالات المصرفية، لذلك يتم اللجوء إلى السوق الموازية، وإن الطلب الشديد على دولار شحيح يؤدي إلى ارتفاع الأسعار”.
ورأى المرسومي، أن “البنك المركزي لن يستطيع مهما فعل، بخفض حجم الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي، ما دامت التجارة قائمة مع الدول المعاقبة أميركياً، وما دام أيضاً وجود شريحة كبيرة من المسافرين للدول المعاقبة، وخاصة إيران”.
وبيّن، أن “المسافرين عندما لا يحصلون على الدولار بالسعر الرسمي، يلجؤون إلى الدولار بالسوق الموازية، وهذا ما يزيد سعره”، كاشفاً أن “المسافرين العراقيين يطلبون بحدود 3.5 مليارات دولار سنوياً من السوق الموازية”.
وخلص المرسومي إلى القول، إن “كل هذه الأسباب أدت وستؤدي إلى اتساع الفجوة ما بين السعرين الموازي والرسمي في السوق العراقية”.
“ركود وهمي”
ويتسبب صعود الدولار بـ”ركود حركة السوق، وتوقف التاجر عن التسديد والشراء والبيع، رغم وجود كتلة أو سيولة نقدية، وهذا ما يسمى بـ(الركود الوهمي) نتيجة عدم استقرار سعر الصرف”، بحسب نائب رئيس غرفة تجارة بغداد، حسن الشيخ.
أما الركود الاقتصاد الحقيقي، فهو وفق ما رآه الشيخ في حديث صحفي اطلعت عليه “تقدم” “المبني على معطيات عدم وجود سيولة نقدية لدى المواطن، يقابله إغراق سلعي كبير، في ظل عدم وجود قدرة شرائية، إلا إن العراق لديه إمكانيات مالية قوية، لكن سعر الصرف هو الذي يحدد حركة السوق”.
ونوه إلى أن “طبع الحكومة كتلة نقدية يؤثر على سعر الصرف أيضاً، إذ كلما يتم ضخ كتلة نقدية كبيرة في السوق مع عدم وجود دولار، سوف يزداد الطلب على الدولار على اعتباره ملاذاً آمناً لمدخرات المواطن، وحتى للتعاملات”، موضحاً أن “التاجر ليس مُضارباً كما يتهمه البعض، بل هو يبيع بالدولار من أجل المحافظة على إمكانياته”.
وأكد الشيخ، طرح استراتيجيات عدة من باب الاستشارة لحل هذه الأزمة، ولكن لم تأخذ بها الحكومة”، داعياً إلى “العمل على خلق بيئة جاذبة للاستثمار، من خلال استقرار سعر الصرف، ليشعر التاجر والمقاول بأن أمواله في أمان ويستطيع الاستثمار في داخل البلاد”.