اقتصاد

الربط الخليجي.. هل يكون بديلاً عن ايران ويحل أزمة الكهرباء في العراق؟

يطمح العراق، الذي يعاني من أزمة طاقة مزمنة، إلى تحقيق استقرار في تزويد مواطنيه بالكهرباء عبر الاستعانة بمشروع الربط الخليجي، الذي دخلت أولى مراحل إنجازه حيز التنفيذ في يونيو الحالي، سعيا منه للتحول التدريجي إلى واحد من أهم معابر الطاقة في المنطقة.

ويعاني العراق منذ أوائل تسعينات القرن الماضي من نقص هائل في الطاقة الكهربائية بعد تدمير شبكته الوطنية خلال حرب الخليج الثانية التي نشبت بعد احتلال العراق للكويت عام 1990، وما تبعها من حصار اقتصادي (1990-2003) وهي الفترة التي شهد العراق خلالها انقطاعات مبرمجة ومتباينة للطاقة في بغداد والمحافظات، حتى وصلت إلى قطع الكهرباء لأكثر من عشرين ساعة في اليوم الواحد.

ولم تنجح مشاريع رفع إنتاج الطاقة الكهربائية في العراق التي أقيمت بعد عام 2003، بل أدت الى زيادة اعتماد العراق على الغاز المستورد من إيران لتلبية حاجة مشاريع الطاقة، فيما يتم هدر الغاز المصاحب لعميات استخراج النفط الخام عبر حرقه مسببا خسائر بملايين الدولارات يوميا دون تحقيق أي استفادة منه.

ويقول المتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى في تصريح صحفي إن العراق “يعاني من نقص كبير في إنتاج الطاقة الكهربائية، حيث تصل احتياجاته في أوقات الذروة إلى 34 ألف ميغاواط من الطاقة، بالمقابل ينتج العراق حاليا 26 ألف ميغاواط فقط”.

ويضيف موسى أن هذا النقص يمكن تقليصه “ما أن يبدأ العمل بمشروع الربط الخليجي الذي سيوفر ألف ميغاواط في المرحلة الأولى”. بالإضافة إلى “الربط مع المملكة الأردنية الذي يوفر 150 ميغاواط، والربط مع تركيا الذي يوفر 300 ميغاواط”.

مشروع الربط الخليجي

أسست دول مجلس التعاون الخليجي “هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون” في العام 2001 بهدف إنشاء مشروع الربط الكهربائي بين دولها لتحقيق الاستقرار في التزويد بالطاقة وتقليل كلف الإنتاج.

وفي نوفمبر تشرين الثاني 2005 تم توقيع مجموعة من العقود لتنفيذ المرحلة الأولى من المشروع، والتي شملت مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية وقطر والكويت بقيمة تجاوزت مليار دولار أميركي وجرى تشغيلها العام 2009.

وحتى العام 2014 كانت قد انضمت الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان إلى المشروع.

وفي سبتمبر أيلول عام 2019، أبرمت وزارة الكهرباء العراقية اتفاقية مع مجلس التعاون الخليجي لإنشاء خطوط لنقل الطاقة الكهربائية إلى العراق من محطة الوفرة الكويتية. وفي فبراير شباط من العام الحالي، أعلنت هيئة الربط الخليجي عن إبرامها خمسة عقود بكلفة تتجاوز 200 مليون دولار مع الشركات المنفذة لمشروع الربط الكهربائي بين دول الخلج والعراق.

وبحسب البيان الذي نشر حينها، فإن المشروع سيتم عبر “إنشاء خطوط بطول 295 كيلومتر من محطة الوفرة في الكويت إلى محطة الفاو جنوب العراق لنقل 500 ميغاواط كمرحلة أولى وبإجمالي 1800 ميجاواط”.

العراق معبر للطاقة

سيحقق العراق من خلال الربط الكهربائي الخليجي وفقا للمتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى العديد من الفوائد على رأسها “الإسهام في تنويع مصادر الطاقة وهي خطوة مهمة لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والغازي”، بالإضافة إلى أن المشروع “يحقق تبادل للطاقة في أوقات الذروة بشكل خاص، ويمكن أن يتم إرجاع الطاقة الفائضة وبهذا نحقق تبادل منفعة كبيرا للطاقة”.

ونوه موسى إلى أن الربط الكهربائي مع دول الخليج “سيحول العراق في السنوات المقبلة إلى معبر للطاقة بين الدول المصدرة والدول التي تحتاج إلى استيراد الكهرباء، وبالتالي سيتحول إلى طريق مهم في مجال نقل الطاقة”.

ولن يكتفي العراق، بحسب المتحدث بمشروع الربط الخليجي، بل “يسعى إلى أن يكون من ضمن الدول المستخدمة للطاقة النظيفة بالتعاون مع الدول التي سبقتنا في هذا المجال ويخطط لتأسيس محطات بالاستفادة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح”.

وردا على سؤال يتعلق بالتسعيرة التي سيتم اعتمادها لوحدات الطاقة، قال متحدث وزارة الكهرباء إن “أسعار الكهرباء ستراعي التسعيرة العالمية للطاقة وسعر سلة الأوبك، وسيتم حسابها حسب الوقت الذي سيبدأ فيه تزويد العراق بالطاقة الكهربائية “.

لكنه أوضح أن الربط الكهربائي مع دول الخليج لن يكون كافيا “لانتفاء الحاجة إلى الغاز المستورد من إيران أو الغاز الوطني لتشغيل محطات الكهرباء. ولكنه سيكون خطوة مهمة ذات فائدة فنية من شأنها تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والغاز وزيادة ساعات تجهيز الكهرباء للمواطنين في عموم العراق، وتبادل منفعة الطاقة للعراق ولدول أخرى مستقبلا”.

تنويع مصادر الطاقة

تعتبر الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم أن أهم فائدة في الربط الكهربائي الخليجي مع العراق هو “تنويع مصادر الطاقة الكهربائية وعدم الاعتماد على مصدر واحد للطاقة، يمكن أن يتسبب أي ظرف طارئ لتلك الدولة مثل فرض عقوبات دولية أو غيرها إلى توقف الكهرباء في العراق خصوصا في أوقات الذروة”.

وتشير سميسم في حديثها هنا إلى اعتماد العراق على استيراد الكهرباء والغاز من إيران الذي تدفع مقابله نحو خمسة مليارات دولار سنويا، والذي يتعرض إلى التذبذب أو التوقف خصوصا خلال فترة الذروة في الصيف الذي تصل درجات الحرارة فيه إلى أكثر من 50 مئوية.

وعلى مدى السنوات الماضية، حصلت بغداد على استثناءات عديدة من قبل الولايات المتحدة الأميركية من العقوبات المفروضة على إيران، وسمحت لها بتسديد مستحقات استيراد الغاز الإيراني الذي تعتمد عليه في تشغيل محطاتها الكهربائية. ورغم تلك الاستثناءات إلا أن واشنطن نبهت الحكومة العراقية إلى ضرورة تقليل اعتمادها على الغاز المستورد.

تقليل كلفة الطاقة

من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي قاسم جبار في تصريح صحفي إن “ربط المنظومة الكهربائية بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي من شانه تحقيق العديد من الأهداف قصيرة وبعيدة المدى، فهو من جهة يعزز العلاقات بين العراق ومحيطه الخليجي التي تعرضت إلى ضربة كبيرة منذ اجتياح العراق للكويت في تسعينات القرن الماضي”.

وسيحقق الربط الكهربائي، حسب جبار، “تخفيضا في تكاليف إنتاج الطاقة الكهربائية، التي ينفق العراق عليها سنويا أموالا طائلة دون جدوى”، كما يمكن أن يشكل “عائدات لصالح البلد في حال تحول إلى معبر للطاقة من الخليج إلى تركيا وأوروبا”.

الفوائد بحسب الخبير الاقتصادي “لن تكون للحكومة العراقية فقط، فاستقرار تزويد العراق بالكهرباء من شأنه تقليل الحمل على أكتاف المواطن العراقي الذي يلجأ مضطرا إلى الاشتراك في مولدات تابعة للقطاع الخاص لتعويض النقص في الكهرباء الوطنية ويدفع مقابل ذلك مبالغ كبيرة”.

ويضيف جبار أنه يمكن لهذا المشروع أن يحقق “استقرارا أمنيا في العراق الذي يشهد في فترة ذروة الصيف اضطرابات جماهيرية واسعة بسبب عدم استقرار التيار الكهربائي وزيادة الانقطاعات”.

ويعتمد العراقيون في حياتهم اليومية على المولدات الكهربائية الخاصة التي اسُتخدمت كبديل للطاقة الكهربائية الوطنية بعد العام 2003. وهي منتشرة في كل محافظات العراق وتزود المنازل بتيار كهربائي عبر أسلاك منفردة تتوزع من المكان الذي يتم فيه نصب المولد الكهربائي باتجاه منازل المواطنين، وهو أمر أدى إلى ارتفاع نسبة ما ينفقه العراقيون على شراء الكهرباء بدرجة كبيرة خصوصا في فترة الصيف.

هل يحل العراق أزمة الكهرباء؟

يقول عضو لجنة الكهرباء والطاقة النيابية وليد السهلاني في تصريح صحفي إن العراق “مقبل على حل أغلب مشكلات الطاقة الكهربائية خلال العامين المقبلين، مع توجهه إلى الحصول على الطاقة من مصادر متنوعة، وعبر الاستثمار في الطاقة المتجددة التي ستسهم بشكل ملحوظ في حل أزمة الكهرباء”.

وكانت وزارة الكهرباء أعلنت توقيعها عددا من العقود مع شركات دولية لإنشاء محطات الطاقة الشمسية، بهدف إنتاج أكثر من 12 ألف ميغاواط بالاعتماد على الطاقة المتجددة.

لكن السهلاني أشار إلى وجود “مشاكل فنية في قطاعي النقل والتوزيع تتطلب وقفة جادة من الحكومة، لمعالجة أزمة الكهرباء بشكل خاص في وسط وجنوب العراق التي تعاني خلال فترة الصيف من تراجع ساعات التجهيز”.

ويشدد على ضرورة “إيجاد حلول سريعة لحل أزمة الكهرباء لأنها أصبحت قضية مصيرية تتعلق بتطلعات العراقيين واستقرارهم”.

زر الذهاب إلى الأعلى