محلي

ثقافة مجتمع ومرض نفسي.. تزايد مقلق للعنف الأسري في العراق

تشهد حالات العنف الأسري في العراق، تزايداً مقلقاً خلال الآونة الأخيرة، وفق ما رصدته الشرطة المجتمعية، وبينما يعزو مختصون أسباب ارتفاع هذه الظاهرة الخطيرة إلى ضغوطات الحياة المختلفة، شددوا على ضرورة تشريع قوانين صارمة، ونشر ثقافة احترام الأسرة منذ الصغر، فضلاً عن زيادة وعي المجتمع للوقاية من هذه الجرائم التي تنتهي أحياناً إلى موت الضحية.

وتتصدر النساء قائمة حالات التعنيف في العراق، تليها الأطفال، وثم الرجال في الدرجة الثالثة، بحسب مدير الشرطة المجتمعية التابعة لوزارة الداخلية العراقية، العميد غالب العطية.

وكشف العطية، في حديث صحفي اطلعت عليه “تقدم” عن تسجيل أكثر من 160 حالة تعنيف للأطفال في عموم المحافظات العراقية خلال الفترة الماضية”، لافتاً إلى أن “الحصيلة هي فقط للشرطة المجتمعية، إذ هناك مديرية حماية الأسرة والطفل، وفي بعض الأحيان تتدخل مراكز شرطة أيضاً في قضية التعنيف”.

وأشار إلى أن “المديرية تتلقى الكثير من التبليغات عن حالات التعنيف بعضها يأتي من الجيران أو من يسمع عنها، كما أن المديرية ترصد جميع المدارس وهناك تعاون مع إداراتها للإبلاغ في حال ظهور أي علامة تعنيف على جسد الأطفال”.

وأوضح العطية، أن “عمل الشرطة المجتمعية وقائي واستباقي قبل حصول الجريمة، وتم منع العشرات من حالات التعنيف وإنقاذ الكثير من الأطفال من أسرهم، وأخذ تعهدات من الأب أو الأم أو الشخص الذي يقوم بالتعنيف، وأحياناً تُساهم المديرية في سحب الحضانة من الطفل وتحويلها إلى شخص آخر في حالات انفصال الزوجين”.

حالة في مدينة الصدر

وأكد مدير الشرطة المجتمعية، أن “حالات العنف مستمرة ففي يوم أمس، تم رصد حالة تعنيف طفلة من قبل زوجة الأب في مدينة الصدر ببغداد، وتحركت الشرطة المجتمعية إلى المستشفى التي ترقد فيها الطفلة التي كانت في حالة خطيرة، وتم اتخاذ إجراءات سريعة باستدعاء الأب لإقامة الدعوى، وكذلك اصدار أمر قبض بحق زوجة الأب”.

ونشرت دائرة العلاقات العامة في مجلس القضاء الأعلى إحصائية عن معدلات العنف الأسري، فيما يخص الأطفال والنساء وكبار السن خلال عامي 2021 و2022.

وأوضحت الإحصائية أن “المحاكم سجلت 1141 دعوى عنف أسري ضد الأطفال، وكان لمحكمة استئناف بغداد الكرخ النصيب الأكبر بواقع 267 دعوى”.

ثقافة إجتماعية

في غضون ذلك، أشارت المدافعة عن حقوق الإنسان سارة جاسم، إلى “وجود عادات وأعراف تسيء للإنسان وتُساهم في ارتفاع حالات العنف الأسري في البلاد، يرافق ذلك عدم قدرة الزوج على تلبية متطلبات الحياة، مع الإنجاب غير المدروس، وقلّة مفاهيم التربية والاحترام بين أفراد الأسرة، وأيضاً حق التأديب في المادة 41 من القانون العراقي التي تعتبر حافزاً لممارسة العنف ضد النساء”.

وذكرت جاسم، في حديث صحفي اطلعت عليه “تقدم” ، أنه “فضلاً على الاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل الاجتماعي، والجهل الرقمي للوقوع في مشكلات أسرية، وكذلك تعاطي المخدرات التي ازدادت في السنوات الأخيرة”.

ولخصت جاسم، أسباب تفاقم العنف إلى “نتاجات ثقافية اجتماعية، وأخرى نفسية، ففي السياق الأول، تفرض الثقافة العراقية سلطة اجتماعية مبنية على أساس العمر والقرابة، فالآباء عادة ما يمنحهم المجتمع سلطة مُطلقة على الأبناء، كما يمنح الكبار سلطة على الصغار تقل وتزداد تبعاً للنسب والقرابة الدموية”.

ووفقاً لهذا الفهم، يُصبح العنف مُبرراً لعدم ارتكاب الأطفال والصغار أخطاءً تعرض الكبار لكلف اجتماعية، وتجاوز القيم والأعراف التي توارثت من جيل لآخر، ومفهوم سلطة الرجل على المرأة التي تجعل الأغلبية يرى الحق بضرب وتعنيف المرأة كونها تابع لا إنسان له حقوق وكرامة”، وفق جاسم.

عوامل نفسية

أما السياق الثاني (النفسي)، فعزت الاختصاصيتان في الطب النفسي، الدكتورة براءة العاملي، والدكتورة بتول عيسى، أسباب العنف الأسري إلى الظروف التي تمر بها البلاد وما ينشر في وسائل الإعلام المختلفة من أخبار ومشاهد عن القتل التي تزيد ميول العنف والتقليد داخل مخيلة الإنسان، بالإضافة إلى ضغوطات الحياة المختلفة أبرزها الجانب الاقتصادي ومحاولة إفراغ جميع هذه الضغوط داخل الأسرة.

ولفتت العاملي وعيسى، إلى عامل الاضطرابات النفسية، خاصة إذا كان الشخص يعاني من فقدان الثقة بنفسه وليست لديه القدرة على مُواجهة مصاعب الحياة، لذلك يظهرها بصورة غير مباشرة بالأسرة، أو وجود توارث لهذه الحالة كأن يكون تنشئة الزوج أو الزوجة في بيئة سيئة فيها عنف أسري، بالإضافة إلى أسباب بالشخصية منها حب الأنا والذات والتملك والسيطرة.

وشددت الاختصاصيتان، على أهمية “وضع قوانين صارمة ضد المُعنّف الذي يعطى أحياناً مُبرراً لجريمته بحجة تقويم السلوك، وتشريع قانون حماية المرأة والطفل وتمكين الضحية للوصول إلى القانون، والإفصاح عن العنف لتتمكن الجهات المختصة من التدخل والمساعدة، وزيادة الوعي منذ مرحلة الطفولة على احترام الأسرة والتثقيف المبكر للزوجية، وللمجتمع والمؤسسات الدينية دور في ذلك”.

وفي السياق نفسه، رأت الناشطة رقية سلمان، أن “العنف ضد الأطفال يرجع إلى شعور معظم زوجات الأب بأن الطفل يشاركها في زوجها بالعاطفة والاهتمام والأموال، لذلك تُعنفه لاجباره على الابتعاد عن الأب، وكذلك الحال مع زوج الأم”.

وقبل نحو أسبوع صُدم المجتمع العراقي بصور الطفل العراقي موسى ولاء البالغ من العمر 7 أعوام، الذي قتل من شدة التعذيب على يد زوجة أبيه ببغداد، وكان جسده مليئاً بالكدمات والطعنات العميقة بالسكاكين والصعق بالكهرباء.

ودفعت هذه الجريمة إلى تزايد المطالبات الحقوقية بتشريع قوانين تضع حدوداً لتلك الانتهاكات وتحمي الأطفال من العنف الأُسري.

قانون الحماية من العنف الأسري

تتيح المادة 41 من قانون العقوبات للزوج والآباء والمعلمين حق التأديب في حدود الشرع والقانون، بحسب الخبير القانوني علي التميمي، منبهاً إلى أن “نص المادة المذكورة فضفاض يُساء استخدامه ويجعل المحكمة مُقيّدة في المساءلة، وتم الطعن في هذه المادة أمام المحكمة الاتحادية لمخالفتها المواد 14 و29 و30 من الدستور لكنها ردت”.

وبين التميمي، في حديث صحفي اطلعت عليه “تقدم” ، أن “الإنسان – كما يقول علم النفس الجنائي – يتأثر في المراحل الأولى من حياته (من 5 إلى 15 سنة)”، مؤكداً أن “مثل هذه الجرائم تُحطّم هؤلاء الصغار وتجعلهم حاقدين على المجتمع وحتى مُجرمين”.

ورأى أن “هذه الجرائم تُخالف اتفاقيات الطفل وميثاق العهد الدولي وحقوق الإنسان، لهذا أصبحت الحاجة مُلحّة لتشريع قانون الحماية من العنف الأسري، كما فعل إقليم كوردستان وشرّع هذا القانون”.

ومنذ العام 2020، أقرّ مجلس الوزراء العراقي مشروع قانون “مناهضة العنف الأسري”، وأرسله إلى البرلمان، لكن القانون لم يُقرّ حتى الآن بسبب معارضته من جهات سياسية في البرلمان، وخصوصاً تلك المنتمية إلى أحزاب دينية، رأت أن القانون فيه مخالفة شرعية، وأنّه سيؤدي إلى حدوث تفكّك أسري، ولجوء إلى القضاء من الزوجات والأطفال ضدّ ربّ الأسرة.

ومن بين أبرز الجهات المعارضة لإقرار القانون، هما حزب الدعوة الإسلامية وحزب الفضيلة الإسلامي، اللذان يجدان في القانون تعارضاً مع مبادئ الإسلام في تربية الزوجة والأولاد.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قد حذرت من تبعات العنف المتمادي ضد الأطفال العراقيين، والذي يبلغ مستويات خطيرة، حيث ذكرت المنظمة في تقاريرها أن أربعة من بين كل خمسة أطفال في العراق يتعرضون للعنف والضرب.

وأكدت المنظمة الأممية أنه ما من شيء يبرر العنف ضد طفل صغير، كما أن هذه الظاهرة لا بد من منعها ووقفها، مطالبة الحكومة العراقية بتكريس آليات رصد ومتابعة مرتكبي جرائم العنف والقتل بحق الأطفال وتقديمهم إلى المحاكمة.

زر الذهاب إلى الأعلى